عند كل موسم انتخابي لاختيار ممثلي مجالس البلديات، تُطل عليك نفس الوجوه مرددة أسطوانتها المشروخة والمملة. وجوه تستهدف الفئات الفقيرة والأمية مستعنة في ذلك بحفنة من المنحرفين والعاطلين عن العمل. تجدها تتجول في أحياء فقيرة تفتقر الى أبسط مقومات الحياة الكريمة. تُفرق الوعود يمنة وشمالاً لأنها تعرف مسبقاً أنها غير ملزمة بالايفاء بها. تندهش عندما تصادف أحدها لأول مرة. توقفك في الطريق لعرض برنامج كُتب بعجالة خصيصاً لهذه المناسبة دون أن تنسى أن تطلب منك أن تُصوت عليه في الانتخابات. لكن ما الفائدة من التصويت؟ وما جدوى المجالس التي ستُشكل؟. ان المتتبع للشأن السياسي في المغرب يلاحظ أن الانتخابات لا تؤثر في الواقع المعيشي للسكان ولا في المحيط الذي يعيش فيه .فمباشرة بعد الانتهاء من العملية الانتخابية، يشرع الفائزون في "مفاوضات" لتشكيل مجالسهم المنتخبة. وتمثل هذه المرحلة مناسبة سانحة للفائزين لاسترداد ما أنفقوه في الانتخابات ولما لا تحقيق أرباح ومراكمة امتيازات. هكذا يتم تحويل الانتخابات عن هدفها وتُصبح بذلك مصدراً للفساد وشراء الذمم. ويستفحل الفساد أكثر لأن الفائزين ينتمون الى أوساط أمية جاهلة ترى في الفوز غاية وليس وسيلة ويخولها سلطات تعرف بأنها ستمارسها طيلة شغلها لمنصبها دون رقيب ولا حسيب. في ظل هذه العقلية التي ترى في الفوز في الانتخابات تشريفاً وليس تكليفاً، تحولت مدننا الى مناطق منكوبة. انها تفتقر الى المرافق الضرورية من مدارس وملاعب ومساحات خضراء ودور السينما والمسرح. ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد بل وصلت الى حد الغش في تعبيد الطرق التي تتحول بمجرد أول زخات مطر الى حفر عميق والسطو على المساعدات المقدمة للطبقات المعوزة والمتاجرة فيها. هذه بعض تجليات نهب المال العام بالاضافة الى الزبونية في التوظيف دون أخذ معيار الكفاءة والاستحقاق بعين الاعتبار واستغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة وتوظيفها لتحقيق مآرب شخصية والاستيلاء على أراضي الدولة عنوة. تبدو مدن المغرب بائسة وحزينة لأنها تئن تحت وطأة منتخبين فاسدين تم اختيارهم لخدمتها، لكنهم مع الأسف منشغلين بخدمة مصالحهم الخاصة فقط. لا يهتمون بشؤون المواطنين طيلة تقلدهم لمنصب المسؤولية. النتيجة أن الغالبية العظمى ترزح تحت وطأة الفقر والجهل. وتسفر هكذا سياسات عن نتائج وخيمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. فاقتصادياً يخسر المغرب مئات الملايير كان حرياً أن تصرف في انجاز مشاريع البنية التحتية على أسس صلبة وبناء مساكين للفقراء والمعدمين توفير آلاف فرص العمل للعاطلين وخلق حركة اقتصادية نشيطة قائمة على المنافسة وتكافؤ الفرص. أما اجتماعياً، فالفاتورة باهضة. ارتفاع مهول في نسب الجرائم انتشار واسع للدعارة انهيار المنظومة الأخلاقية الاجتماع الى درجة أن الكل أصبح يجري وراء المال ولا يهم ان كان حلالاً أو حراماً وهلم جرَّا من الآفات التي تنخر كيان المجتمع المغربي وأبرز ضحاياه هم الشباب. في المغرب يُنظر الى الانتخابات على أنها انجاز في حد ذاته وليست أداة لتنشيط الحياة السياسية وضخ دماء جديدة في شريانها وأنها مناسبة لتنافس الأشخاص ومن يدفع أكثر أو أكثر ولاءً للنظام وليست مناسبة لطرح الأفكار والبرامج واختيار الأنفع منها للمصلحة العامة. كما تُعتبر فرصة لتزكية نفس الوجوه التي سئم الشعب من وعودها الكاذبة وتكريس نفس السياسات التي لا تستجيب الى الحد الأدنى من متطلبات الشعب المغلوب على أمره. ولأنهم يرونها هكذا، فانها تسفر عن مجالس منتخبة ينعدم لديها حس المسؤولية وخدمة المصلحة العامة وما يترتب عن ذلك من الاساءة الى سمعة البلد، بحيث أصبح المغرب يحتل مراتب متأخرة في كافة الميادين. اذا أسندت الأمور الى غير أهلها، فانتظر قيام الساعة. فمتى يتغير حال المجالس البلدية وتصبح ورشة للخلق والابداع وايجاد حلول للمشاكل العويصة التي يتخبط فيها السكان وليس مصدراً للفساد واختلاس الأموال؟ الى ذلك الحين، ما عليك الا الصبر والتجلد في مواجهة خفافيش الظلام التي في سبيل مصلحتها الخاصة لا تعرف شيئاً اسمه المصلحة العامة.