لماذا تخاف دولة وتتبعثر سياستها من خلال تزايد عدد الأشخاص الأجانب الذين يستقرون في عدد من مدنها ويمارسوا حياتهم المهنية أو يتمتعوا بالتجول في أرجاء البلاد ويتواصلوا مع شرائح من المجتمع المغربي, فهناك من يشتغل في منظمات طبية أو دينية أو سياحية أو تجارية.. فنحن اليوم في عالم تتعدد فيه الأفكار والتوجهات ويسهل على أي شخص أن يتواصل مع غيره في أي منطقة على ظهر كوكبنا, كما أن حكومة بلدنا تتعب كثيرا وتجتهد كي تعد شرائط إعلامية دعائية تصور المملكة على أنها فردوس الحضارة الإنسانية وتقول وتكرر القول بأن المغرب كان دائما على مر العصور واحة للتسامح والتعدد الديني والتلاقح الحضاري.. بينما نجدها تهتز وترتعب من مجرد اجتماع مجموعة أشخاص لا حول لهم ولا قوة , لم يكن اجتماعهم سوى رغبة في زيادة الإحساس بقوة القرب من مخلصهم وفاديهم وسيد حياتهم, إذ أنه معروف أن المسيح قال في الإنجيل: " إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون معهم " إذن , فما الذي يزرع الرعب في نفوس حكامنا ما دام مواطنون أحرار اختاروا أن يقضوا مع بعضهم البعض أوقاتا للشكر والصلاة وإشاعة تعاليم المحبة وتكريسها؟ لماذا تنفق حكوماتنا أموالا طائلة للترويج لمغرب العهد الجديد الذي يفيض حرية وتتكاثر في صفحات تاريخه المديد علامات ودلائل الرقي والتسامح والتعدد والاختلاف.. وفي النهاية ,عندما يصدق الغرباء الأحجية التلفزيونية الدعائية ويجمعوا أغراضهم فرحين بأيام الإقامة والعمل.. فيصدموا إلى حد التقزز فور دخولهم بلدنا العزيز , من حقيقة الأكذوبة الدعائية , بعد أن لا يجدوا من كل ما سمعوه سوى جماعات بشرية فقيرة فكريا وحضاريا.. تنكمش على ذاتها حتى التورم , خوفا على معتقداتها وتقاليدها المثيرة للشفقة , وذلك فور المواجهة اليومية العادية مع الغرباء أصحاب الثقافات والحضارات الأخرى؟ كيف يمكن لمجتمع أن يواجه العالم ويقنعه وهو يرتجف خوفا من زوال هويته وذوبان تقاليده..؟ كيف نبرهن على أصالة حضارتنا ونحن ننفجر حقدا أحيانا ونرتجف خوفا أحيانا أخرى ؟! كيف نستطيع أن نفهم وندرك حقيقة الثقافات الأخرى ونحن في حالة مضحكة من التخلف الذي لا نخجل من إعتبارنا له تقاليد أصيلة وحضارة إنسانية..؟ بينما كل ما تمتلئ به عقول وقلوب أكثرنا لا يعدوا كونه مشاعر شريرة وتصورات وخطط هدامة. كيف نستطيع أن نمد الجسور لنتواصل مع الآخر ونحن نحتقر معتقداته ونستهزئ من مقدساته ونجعله يخاف منا ويرتعب من مستوانا المخيف في هذا العصر الحديث الذي تمتلئ الدنيا فيه وتفيض في كل البقاع بروح العلم والمعرفة , إلا منطقتنا , حيث لا زالت وستبقى إلى أجل غير مسمى حبيسة الانغلاق تسبح في ظلامات الجهل والخوف والشك في الذات والآخر الذي نحمله مسؤولية ما يجري لنا؟! لقد عاش أسلافنا في حالة من الدهشة والتساؤل عبر تاريخ بشريتنا , وكانوا يحاولون تفسير ظواهر الطبيعة ومظاهر العظمة في الكون كله وكانوا بما تيسر لهم من قدرات عقلية يفسرون ويستنتجون إستنتاجات بعد أخرى بعد أن يقارنوا تفسيراتهم بتفاسير جماعات بشرية أخرى وملاحظاتها التي تتحول إلى معتقدات بعد مرور الزمن عليها, وهكذا كان الناس يعيشون في الحرب والسلم , وكانت كل تجاربهم التي يكتسبونها من خلال مواجهاتهم تزيدهم يقينا بأن الحاجة لتقاربهم وتسامحهم أكثر خيرا من تنافرهم ومعانفتهم لبعضهم البعض. على هذا الأساس أريد أن أقول, أن الإنسانية مثل النهر تتجدد وتتبدل من حسن إلى أحسن , وأن ضحاياها الذين سيتكلسون هم الذين لا يبحثون عن مجرى يكون سبيلا لهم لكي يعانقوا فضائل الحياة السوية التي لا تدمن صناعة الأعداء لأتفه الأسباب , وعلى كل إنسان متفقه في معاني الإنسانية أن يدرك بأنه لا يمكن لدين من الأديان أن يستقل بذاته بعيدا عن الإنسان , على هذا الأساس , فإنه لا يصلح دين للإنسان لا تتوفر فيه شروط التعايش مع باقي الإنسانية على اختلاف ثقافاتها ومعتقداتها .. مهما كانت متعددة وكثيرة. فمهما كان الدين مليئا بالتناقضات والأخطاء الظاهرة والباطنة , فإنه يستطيع أن يستمر إذا ما كان يدعوا للمحبة والسلام واعتبار الإنسان فردا كان أو جماعة , ذكر أو أنثى . اعتباره بناء الله وتحفته التي أبدعها. كما أنه , مهما كان أي دين آخر نقيا ومستقيما ولا يحتوي تناقضات.. لكنه يدعوا للكراهية والعنف ويعطي لمعتنقيه الحق في أن يمارسوا أفعالا لا تمت بأي صلة للقيم الإنسانية الجليلة , فإنه لا بد أن يختنق ويتسم أتباعه بارتفاع درجة الغليان الداخلي الناتج عن الرغبة في إثارة المشاعر العدوانية باستمرار.. إن البشر في تاريخهم عبدوا كل شيء تقريبا , ولم يتركوا شيئا دون أن يسبغوا عليه صفات الألوهية , حتى أن عدد الآلهة يكاد يكون مماثلا لعدد الرؤوس, فمثلما كانت المجتمعات تصنع قبعات مختلفة بحسب اختلاف وتباين المناخ والعادات والتقاليد.. هكذا أيضا كانوا يخلقون آلهة تناسب واقعهم الاجتماعي.. لهذه الأسباب ولغيرها , فإننا نحن ينبغي أن نكون نتاج عصرنا فلا ينبغي أن نعود للماضي و نوقف التاريخ, بل علينا أن ننسجم مع محيطنا ونتقبل الاختلاف برحابة صدر ونقدر قيمة الحرية ونحترم قرارات الفرد مهما كانت تبدوا لنا غير حكيمة, فكل إنسان هو مسؤول على ما يقوم به , فكل ما يتعلق بحياته الخاصة هو مسؤولية شخصية, أما مسؤوليته الاجتماعية فهي تتمثل في احترامه لحريات الآخرين. واعتباره لآليات مقننة تضبط التوافق بين كافة مكونات المجتمع. إن الذين يرفضون اليوم مغاربة اختاروا بكامل إرادتهم وحريتهم دراسة التراث المسيحي فآمنوا به سواء إيمانا عقليا أو إيمانا قلبيا, فيثورون عليهم ويتهمونهم ويفسدوا حياتهم بالشتائم والتحقير.. إنما يرفضون قيم الإنسانية الحقة التي تعطي الاعتبار للحرية الفردية الكاملة في اتخاذ القرار الشخصي ,الذي يراه كل شخص مناسب له, فنحن ندافع على حرية وكرامة الإنسان واستقلاله عندما ندافع على إنسان قرأ الإنجيل ودرس تاريخ الدين المسيحي.. فكل إنسان لديه الحرية الكاملة في أن يقرأ ما يشاء ويؤمن بما يشاء بشرط أن يحترم حريات الآخرين, كما أنه ليس كل من قرأ الإنجيل آمن به ! وأنا كمسؤول سابق في أحد المدارس المتخصصة في دراسات التراث المسيحي , كنت مطلع على آلاف الرسائل التي تأتي من منطقة شمال إفريقيا, فكانوا عرب وأمازيغ من كل الدول التي تسمى " المغرب العربي " يطلبون التسجيل , فمنهم من يستكمل دراساته ومنهم من يكتفي بمطالعة ما تيسر من الكتب, فلم يصبحوا كلهم مؤمنين يمارسون الطقوس الدينية في الكنائس, بل إن حب الاطلاع هو الدافع الأساسي , وأكثر من ذلك فقد كانت تصلنا رسائل من أإمة مساجد ! أما سلوكات الدولة ومعاملتها السيئة للأجانب فهي تعبر عن مستوى تخلف مسؤليها وتقهقرهم الحضاري, فكيف يعقل أن تتصرف دولة بمنطق قطاع الطرق؟ وتطرد الأجانب بحجة ممارسة التبشير بدون أدلة ثابتة ولا تمنحهم فرصة للدفاع عن أنفسهم ؟ هل توجد دولة لديها مؤسسات محترمة تقوم بمثل ما قامت به المملكة المغربية؟ إنه تصرف بعيد عن منطق الحضارة, فلا يظنن أحد أن طرد الأجانب سوف يوقف التبشير , بل سيزداد عدد الذين يرغبون في إكتشاف التراث المسيحي, لأن التبشير له مؤسسات خارج المغرب , حيث هناك مدارس متخصصة يحصل كل من يسجل نفسه على دروس وكتب كما يمكنه الحصول على مجلات وبرامج إلترونية مباشرة من المواقع الرسمية لهذه المدارس, أما الادعاء الكاذب بأن الأجانب يستغلون ضعف وفقر الشعب المغربي فهذا كذب لا لبس عليه, لأن من يقدمون لهم الإعانات لا يبشرونهم وإنما فقط حبا للخير لأن المسيح نفسه كان يقوم بالخير دون شروط. وأنا شخصيا درست مع مدارس متخصصة إلى أن حصلت على شواهد, وكان الدافع عندي هو حب المعرفة, ولأنه لا تتوفر مكتبات في مدننا فإنه لا يوجد حل غير البحث في أماكن أخرى وفي دول أخرى, كما أنني لما مرضت ووجدت أن كل المال الذي كان متوفر لدي قد نفذ مع الأطباء ولما كانت مستشفيات بلدنا لا دور لها سوى أنها تكتب المواعيد وتعيد تجديدها للمرضى, فقد بحثت بعدما ضاقت بي الأرض بما رحبت عن طبيب أجنبي أو منظمة طبية حتى أرشدني صديق لمنظمة geteway التي وجدت فيها أناس مؤمنون وآخرون ملحدون , والذين وجدت في مساعدتهم فرصة جديدة للحياة فأجريت أربع عمليات جراحية في مستشفى خاص بالنخبة المغربية البرجوازية, حيث لا تشعر أنك موجود بالمغرب إطلاقا , عندها عرفت وأدركت من هم الذين يستغلون الشعب المغربي الجاهل بسلطة الدين الذي لا يعرفون منه سوى الركوع أمام الكاميرات ليراهم الناس, بينما حياتهم الحقيقية هي في صالونات أخرى حيث ما لم ترى عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر على قلب بشر.. ولقد جاءتني السلطات بعدما عدت من المستشفى عندما لاحظوا أن عدد من الأجانب كانوا يزورونني ويحضرون لي الدواء, فقالوا أنهم يأتون هنا للتبشير بالإنجيل ورغم أني أعطيتهم الشواهد التي تثبت أني درست الإنجيل قبلا مع مؤسسات أخرى , وأنني أنا من يمكن أن يعلمهم وليسوا هم لأنه عندي دراسات معمقة, ولم يصدقوا وكانوا دائما يراقبونني ويضايقوني , حتى وجدوا هذا الأسبوع فرصة سانحة لهم , بحيث أغلقوا مليلية ولا يسمحون بعبور الأجانب, وبذلك يمنعونني من فرصة متابعة العلاج الذي لا يمكنني أن أحصل عليه في مستشفياتنا المهترئة , وكل ذلك بحجة التبشير , ولا شك أن كثيرين تضرروا أيضا, فهل توقف التبشير يوما منذ أن بدأ ؟ لقد قالها ذات يوم شيخ يهودي لزعماء اليهود الذين كانوا يخططون لقتل حواريي المسيح لكي يمنعوهم من التبشير بالمسيحية , قال: لقد ظهر كثيرون وكونوا لأنفسهم أتباع , لكنهم سرعان ما اختفوا , فإن كان هذا الأمر من الناس أي التبشير فلا بد أن يختفي أيضا , أما إن كان من الله فلا بد أن يستمر ويبقى , فتكونوا حينها قد جعلتم من أنفسكم أعداء لله والناس في آن. [email protected]