من الموضوعات الأكثر إثارة للجدل في عالمنا العربي , تلك المتعلقة بالعلمانية , التي أحدثت شرخا بين مفكري العرب وأثارت أفكارهم وأحاسيسهم وحفزت تطرف بعظهم, ولحد الساعة لازالت المواضيع التي تتناول العلمانية تثير الزوابع الفكرية.. فكيف يمكننا وسط هذا المناخ أن نبسط أفكارنا من دون الحاجة إلى دخولنا لدوامة من النعيق والزعيق واللغط..مما لا شك فيه أن العلمانية نتاج المجتماعات التي عرفت تقدما وابتعادا عن سلطات الكنيسة الكاثوليكية التي سيطرت على مسرح الحياة في البلدان الغربية, فبعدما تبرع المؤمنون المسيحيون الجدد بكل ممتلكاتهم للكنيسة كي تصرفها على الفقراء , صارت الكنيسة تغتني وتتقوى حتى أصبحت التنين أو الغول الذي لم يكفه شيء ولم تمتلئ بطنه بكل ما حصل عليه.. فزاد على كل ذلك أن حول المؤمنين عن طواعية إلى عبيد.. ولقد تأسست سلطات الكنيسة على مجموعة التعاليم الإنجيلية أهمها: الحوار الذي دار بين المسيح وتلاميذه – الحواريون عندما سألهم عما يعتقده الناس بشأنه: وذلك في الفصل 16 من بشارة متى حيث جاء في الإنجيل: ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس سأل تلاميذه قائلا: من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان فقالوا: قوم: يوحنا المعمدان، وآخرون: إيليا، وآخرون: إرميا أو واحد من الأنبياء قال لهم: وأنتم، من تقولون إني أنا فأجاب سمعان بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن الله الحي فأجاب يسوع وقال له : طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحما ودما لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات وأنا أقول لك أيضا: أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماوات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السماوات ولأن القديس بطرس قد استشهد أثناء حملات نيرون ضد المسيحيين الذين اتهمهم بإحراق روما , فقد بنيت على جثمانه الكنيسة البابوية وفصلت هذه الآيات الإنجيلة على مقاسها وصارت تملك حق غفران الخطايا , حيث أن جثمان بطرس المدفون في الكنيسة يعطيها الحق بأن تحل أي أمر على الأرض ويكون محلولا في السماء , أو تغلقه على الأرض كذلك فيكون مغلوقا في السماء.. وهكذا دخلت أوروبا كلها في سجن لم تستطع التخلص منه إلا عبر النهضة العلمية والفلسفية والمادية صحيح أنه يوجد في الإنجيل آيات وتعاليم تدفع نحو احترام القوانين الوضعية كيفما كانت لأن أي سلطان هو من الله , لكن الأكثر وضوحا بشأن فصل الأمور الإلهية عن الأمور الدنيوية الإنسانية ما جاء في الأناجيل عن أن جماعة من اليهود المتزمتين نصبوا له فخا بأن يوقعوه بكلام يقوله ويكون حجة عليه لكي يقبضوا عليه ويحاكموه: فقد أرسلوا إليه مجموعة من طلبة المعهد الديني ليحاوروه فيدخلونه في جدال معهم ضد الرومان الذين كانوا يستعمرون تلك المنطقة , فلما جاءوا إليه قالو له: يا معلم، نعلم أنك صادق وتعلم طريق الله بالحق، ولا تبالي بأحد، لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس فقل لنا: ماذا تظن ؟ أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا فعلم يسوع خبثهم وقال: لماذا تجربونني يا مراؤون أروني معاملة الجزية . فقدموا له دينارا فقال لهم: لمن هذه الصورة والكتابة قالوا له: لقيصر. فقال لهم: أعطوا إذا ما لقيصر لقيصر وما لله لله فلما سمعوا تعجبوا وتركوه ومضوا من إنجيل متى الفصل 22وأعتقد أنه لسبب أن تعاليم الإنجيل تحث على احترام القوانين وعلى تقبل كل القواعد الاجتماعية التي تحكم المجتمع واعتبار جميع الأشياء التي تحدث في عالمنا من عند الله فإن المجتمعات المسيحية استوعبت بسهولة كل التطورات الفكرية والاجتماعية التي عرفتها أوروبا منذ عصر النهضة حتى اليوم, أما بخصوص من يقول بأن الإنجيل ليس كالقرآن فهو لا يحتوي شريعة تنظم الحياة , فإنه لا يصدر عن علم ! لأن المسيحية ديانة إصلاحية جاءت لتزيل التزمت والتشدد الذي كان يظهره الإنسان اليهودي كعلامة على تمسكه بشريعة النبي موسى, فقد قال لهم المسيح ذات مرة في نقاش دار حول الطلاق , حيث قال شيوخ اليهود بأن موسى النبي أمرهم بإعطاء المرأة وثيقة طلاق عند الرغبة في تطليقها : فرد عليهم قائلا: لقساوة قلوبكم أعطاكم النبي موسى هذه الوصية, فالديانة المسيحية هي ديانة إصلاحية ولكنها لا تتجاوز الثوابت كما لا تفرض الإيمان بها على أحد باستثناء التفسيرات التي قامت بها الكنيسة الكاثوليكية لما جاء في حوار المسيح عن مكانة بطرس التي أوردتها قبلا. ولقول المسيح كذلك: ما جئت لأنقض الناموس بل لأكمل, أي أن العمل بحسب شريعة موسى سيبقى ولكن بمنظور ومفهوم مسيحي جديد حيث اختصر كل الشريعة في آية واحدة وهي: عاملوا الناس بمثل ما تحبوا أن يعاملوكم , وفي تصور آخر يقول عن الشريعة: سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن , أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بمثله, وقال أيضا بأنه إلى أن تزول السماوات والأرض لا يزول حرف واحد من الشريعة, أي أنها تبقى أبدية ولا يلغى العمل بها برغم المفاهيم الجديدة التي قدمها المسيح عن شريعة موسى وقال أنها تكمل ولا تنقض.ولنأت الآن إلى اليهود وسأحاول الإختصار ما أمكن, فهم أيضا لديهم كتب وشريعة إلهية بالرغم ما نسمعه من إدعاءات عن تعرضها للتحريف والتي تقودنا إلى تساؤلات قد لا يتسع المجال لمناقشتها كما أنه ليس هدفنا من النقاش هنا هو التثبت من صحة الوحي الديني ولكن نناقش كيف انطلقت الشعوب إلى العلمانية واستوعبتها برغم أن لديهم كتب دينية مثلنا وهم أيضا كانوا أكثر تشددا وتمسكا بكتبهم أكثر بكثير مما هو الحال عندنا, غير أننا نؤكد بأن الله الذي يعمل كل ما في وسعه ليحفظ القرآن ولا ينتبه لمصير كتبه التي سبق وأرسلها أو أنزلها أو أوحى بها إما أنه متحيز أو لا يهمه أمر رسالاته!أَنَا هُوَ الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا صُورَةً مَّا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ وَفِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنَ الَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي، وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ. لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلاً، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلاً. اِحْفَظْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ كَمَا أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَشْتَغِلُ وَتَعْمَلُ جَمِيعَ أَعْمَالِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَسَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ، لاَ تَعْمَلْ فِيهِ عَمَلاً مَّا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ وَكُلُّ بَهَائِمِكَ، وَنَزِيلُكَ الَّذِي فِي أَبْوَابِكَ لِكَيْ يَسْتَرِيحَ، عَبْدُكَ وَأَمَتُكَ مِثْلَكَ. وَاذْكُرْ أَنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فَأَخْرَجَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ هُنَاكَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ. لأَجْلِ ذلِكَ أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ أَنْ تَحْفَظَ يَوْمَ السَّبْتِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ كَمَا أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ، وَلِكَيْ يَكُونَ لَكَ خَيْرٌ علَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. لاَ تَقْتُلْ، وَلاَ تَزْنِ، وَلاَ تَسْرِقْ، وَلاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ، وَلاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ وَلاَ حَقْلَهُ وَلاَ عَبْدَهُ وَلاَ أَمَتَهُ وَلاَ ثَوْرَهُ وَلاَ حِمَارَهُ وَلاَ كُلَّ مَا لِقَرِيبِكَ.22 هذِهِ الْكَلِمَاتُ كَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ كُلَّ جَمَاعَتِكُمْ فِي الْجَبَلِ مِنْ وَسَطِ النَّارِ وَالسَّحَابِ وَالضَّبَابِ، وَصَوْتٍ عَظِيمٍ وَلَمْ يَزِدْ. وَكَتَبَهَا عَلَى لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ وَأَعْطَانِي إِيَّاهَا. هي الوصايا والفرائض والأحكام التي أمر الرب إلهكم أن أعلمكم لتعملوها في الأرض التي أنتم عابرون إليها لتمتلكوها لكي تتقي الرب إلهك وتحفظ جميع فرائضه ووصاياه التي أنا أوصيك بها، أنت وابنك وابن ابنك كل أيام حياتك، ولكي تطول أيامك فاسمع يا إسرائيل واحترز لتعمل، لكي يكون لك خير وتكثر جدا، كما كلمك الرب إله آبائك في أرض تفيض لبنا وعسلا اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم واربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك ومتى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي حلف لآبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيك، ( مقتطف من سفر التثني الفصل الخامس والسادس)وهكذا فإن بني إسرائيل اجتهدوا على مر الأزمان بأن يعملوا بشريعة موسى التي كتبها الله على لوحين من حجر, وكانوا دائما يجاهدون لكي لا يتحللوا ويختلطوا بالشعوب الأخرى خوفا من ضياع تقاليدهم الدينية وانحرافهم عن متطلبات الشريعة, وكانوا دائما يعتبرون شريعتهم جزء من الحياة السياسية وعلى أساسسها كان القضاة يحكمون وبها تكونت مملكتهم في زمن شاول وداود وسليمان.. غير أننا اليوم نجدهم أقاموا دولة علمانية عصرية برغم كل ما يقال عن تطرف كثيرين منهم وعدم قبولهم لتلك القوانين والمبادئ العلمانية ومحاولتهم الفصل بين الذكور والإناث في الأماكن العامة بعد أن تفشت بينهم الفضائح الأخلاقية .. في حالة العالم العربي فإن العلمانية تصطدم بجملة من المصاعب أهمها, التخلف المعرفي والأمية اللغوية والثقافية التي يعانيها العرب بسبب طغيان الرؤية الدينية الغيبية وانعدام البيئة المناسبة التي يمكنها أن تكون عاملا مساعدا لنمو ونضج المفاهيم المتعلقة بالعلمانية كمنهج عصري لإدارة شئون الحياة, ورغم أنه يقال أن بلدا مثل تونس يطبق العلمانية إلى أنه لا يمكن التصديق على ذلك بحكم الواقع , فليست العلمانية هي الدكتاتورية والتسلط وقمع الإعلام والفكر والتعبير.. لأن العلمانية أولا وقبل كل شيء مؤسسات للتداول السلمي على السلطة ثم حريات كاملة غير منقوصة لممارسة المعتقدات بعيدا عن العنف, وتساكن بين كل المذاهب الدينية والفكرية والسياسية , ثم ضمان حقوق المرأة والطفل بدون تمييز , والعدالة الكاملة فيما يخص الفرص التي ينبغي أن تتوفر لكل أصحاب الكفاءة بغض النظر عن خلفيتهم العرقية أو الدينية أو اللغوية , وصولا إلى العنصر الجوهري في كل هذا هو إعداد المؤسسات البحثية العلمية لإنتاج وإعادة إنتاج المعرفة واستهلاكها على نطاق واسع, فيصبح كل إنسان نتاج ما لديه من أفكار وما حصله من مهارات في سبيله للمساهمة في تدعيم وتقوية أسس مجتمع متمكن من آليات صنع المستقبل وتجديده جيلا بعد جيل.ولكن ما هو دور الدين الإسلامي في كل هذا؟ هل يعقل أن نلغي أو نستبعد ونهمل كل تلك القيم التي نشأ عليها أسلافنا؟ هل يمكننا أن نبعد الدين عن الحياة السياسية والاجتماعية وتصلح معيشتنا وأخلاقنا ؟ أليس كل ما نعانيه اليوم من تدهور في القيم هو نتيجة لغياب الدين من مجال حياة كثيرين؟ فالدين الإسلامي لا يمكن فصله عن السياسية , كما أن العلمانية لا يمكن أن يتقبلها إنسان مؤمن بالله لأنه تدخله في تناقض وتقلب المنطق وتشوهه.. فالدين في الإسلام هو الحياة التي نعيشها بكل صغيرة وكبيرة لأنه يتدخل في جميع مناحيها وأخص خصوصياتها وبذلك لا يمكن أن تصير العلمانية واقعا مادام الدين حي في نفوس المؤمنين به, هذه هي وجهة نظر كثيرين من الذين يقاومون العلمانية, ولكن هل يصح أن نقود مجتمعا ما للازدهار والتقدم بناء على تعاليم الدين , ألا يشهد التاريخ أن الدين كان وسيلة للطغيان في تاريخنا وأدات منتجة للعنف الطائفي والمذهبي؟ لنقم بإطلالة سريعة على بعض ما جاء في القرآن والحديث:عن أبي نجيج العرباض بن سارية رضي الله عنه ، قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها الدموع، فقلنا : يا رسول الله ! كأنها موعظة مودع فأوصنا ، قال : { أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضو عليها بالنواجذ ، واياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلاله } . ثم جعلناك على شريعه من الامر فاتبعها ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون ( الجاثية 18 )ولقد صرفنا في هذا القران للناس من كل مثل وكان الانسان اكثر شيء جدلا ( الكهف 54 )قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم أعلم بشؤون دنياكم.أعتقد أنه مفهوم وواضح لدى كثيرين ما هو موقف الدين, فالدين الإسلامي – على الأقل بحسب ما سقناه من آيات وأحاديث - يعتبر أي محاولة لإدخال مفاهيم غريبة هو نتاج ضلال ولا يتوقف هذا عن نظم ومحدثات فكرية جديدة وإنما كذلك التفسيرات التي تخالف الجماعة والمعتاد.. ولهذا السبب كانت في تاريخنا مشكلات عميقة بين الطوائف جعلت أي محاولة للتجديد تتعرض للإجهاض. إن أي حلم بتطبيق العلمانية يبقى بعيد المنال من دون تحولات ثقافية اقتصادية واجتماعية, ولهذه الأسباب فقد استطاع الطغات بأن يجلسوا على عروشهم من دون أن ينالهم سوء رغم استنزافهم لخيرات الشعوب , لأنهم وجدوا الأداة السحرية التي تخذر الشعوب وتجعلها تغط في سبات عميق متقبلة الفقر بكل صوره, ولهذا السبب كذلك فإن الدولة تمنع الأفكار الجديدة من الانتشار في أوساط الشعوب.إن العلمانية نتاج تقدم اقتصادي واجتماعي وهي لن تصلح لمجتمع منغلق ومنكمش على ذاته, وأن الدين الإسلام مثل الأديان الأخرى , فيه آيات يمكن تفسيرها لتستوعب مستجدات العصر الحديث وفيه كذلك الآيات التي إذا ما تم التركيز عليها مثلما فعلت الكنيسة سابقا فأغلقت الأبواب وسجنت شعوبا.. وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم : أنتم أعلم بشؤون دنياكم , يمكن أن يكون قاعدة لفهم جديد لتراثنا وتفسيره بما يتناسب مع مستقبلنا .. وعلى هذا الأساس فإن الدين في مجتمع يشهد ديناميكية متواصلة لن يكون مرجعا وحيدا لأنه تكون هناك مؤسسات وكفاءات فكرية متعددة تراكم المعرفة التي يمكن أن يتكئ عليها المجتمع ليتقدم ولا يتعطل. أما الشعوب التي لا تنتج المعرفة ولا تستهلكها فستبقى عاجزة عن الانطلاق بعيدا عن ما وجدوا عليه آبائهم, وسوف يرضون بدون خجل من أن يستمتعوا بما يجتهد في إنتاجه غيرهم ويقبلوا بأن يكونوا عار البشرية وعالة عليها..