إن التراكمات في ظل هذه التراجيديا والمأساة الإنسانية التي يعيشها الصحراويون لا يمكن حصرها في مقال عابر، ولكن ما يجب البحث فيه هو الإجابة على سؤال ظل مطروحا على مدار سنوات كلها عجاف على هؤلاء وهو: متى تنتهي معاناة الصحراويين؟!! لو طرحنا سؤالنا على المغرب لقال أن معاناتهم ستنتهي بمجرد القبول بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية ومن دون تقديم أدنى رؤية واضحة المعالم وخاصة ما يتعلق بالثروات التي يلفها الغموض، ولو أمعنا النظر في واقع المغاربة ممن هم تحت سلطة المملكة منذ عهود لوجدنا معاناة لا يمكن حصرها ولم تفلح الحكومات المتعاقبة في رفع ذلك الغبن والحقرة. ولو سألنا البوليساريو ومعها الجزائر لكان الجواب واضحا أن المعاناة ستنتهي بتقرير المصير مباشرة، بالرغم من أنهم يتطلعون للاستفتاء الذي قد يأتي بما لا يريدون ولكنهم رضعوا عقلية منظومة الحكم العربي المتعفن الذي يعرف النتيجة قبل أي انتخابات وليس لثقته العالية في شعبه أو لجهوده الكبيرة وبرامجه الرائدة، بل هو التزوير الذي لا بديل له في ظل الشعوب التي صارت يائسة من كل شيء. وعندما ننظر لواقع المخيمات بتندوف لوجدنا البوليساريو لم تفلح في سياسة هؤلاء بل أجرمت في حقهم، والأمر نفسه بالنسبة للجزائريين الذين تعرضوا لما يندى له الجبين تحت الديكتاتوريات المتعاقبة. أما إن سألت الأممالمتحدة التي صنفت القضية في إطار تصفية الإستعمار، ستجد الجواب بين فصول جولات الحوار الأبكم التي لا تقدم ولا تؤخر شيئا بل تريد القفز نحو عمر أطول للمأساة. وإن سألت الغرب كله فستجده ككرة المضرب تحركه الأهواء حسب المصالح والصفقات والنفوذ، فهذا يشيد بالمبادرة المغربية وبطرق ملتوية وذاك يعترف بمحمد عبدالعزيز رئيسا لدولة سادسة في المغرب الكبير وبطرق مغرضة، وآخر في الليل يبيت مع المخزن والقيلولة مع الجنرالات وبطرق متناقضة. وطبعا عند كل الأطراف لا أحد أعطى برنامجا يمكن أن يعتمد عليه للحفاظ على الصحراويين وبناء مستقبلهم الموعود وتعويضهم عن كل ما عانوه عبر رحلتهم البائسة من على وجه البسيطة. كما أن الغرب لا يزال يقف متفرجا على مآسي الاحتلال ومؤامراته في العراق وفلسطين وأفغانستان وكشمير والشيشان والبلقان والصومال والسودان واليمن... الخ، فترى هل سيهتم لأمر الصحراء الغربية في حين لا يزال يجرم في حق دول أخرى كانت قائمة وذات سيادة ومع سبق الإصرار والترصد أقدم على تدميرها؟!! ولكن إن سألت الصحراويين الذين هم أصحاب الشأن ولا أحد يمكنه أن يقرر بدلهم أو يتحدث بإسمهم أو يقرر مصيرهم، فترى كيف سيكون جوابهم بعد سنوات الجمر والمعاناة والحياة المزرية البائسة؟!! بالرغم من يقيننا على أن إجماعهم سيكون حول الأمن والأمان لكننا لن نتدخل في الجزم بأي جواب صريح ومباشر ومن دون تكليف من الصحراويين الذين لا يقبلون الوصاية من أي كان، وفي ظل وابل لا يحصى من الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة، وكلها تصب في إطار واحد أنه لا حلحلة لقضية الصحراء الغربية حاليا، لا بالمفاوضات التي هي لقاءات من أجل اللقاء وكل طرف يترصد للحظة تسلل يعلق فيها الفشل بعنق الآخر، ولا حتى الحرب يمكن أن تندلع في المنطقة لحسم الأمور وخاصة أن أوروبا لن تسمح بذلك أبدا، فاستقرار المغرب الكبير هو صمّام أمانها للحد من الهجرة السرية والتي ستصبح علنية في ظل نزاع مسلح مفتوح على جبهات قد تتعدد. وأيضا أن "القاعدة" ستجد ضالتها في مسرح ممتاز تترامى جوانبه بين الجزائر وموريتانيا والمغرب فضلا أن الفوضى ستتيح النزوح السهل نحو الضفة الأخرى، وهو الذي لن تسمح به أمريكا ولا الدول الأوروبية التي تراهن على الاستقرار الذي سيحفظ بلا شك أمنها ومصادر طاقتها واستثماراتها الضخمة. إن الملايير التي يجنيها النظام المغربي من خيرات الصحراء الغربية والتي تذهب في أغلبها لجيوب العائلات المخزنية وأخرى توزع كرشاوى في الخارج على الحكومات والمنظمات والشخصيات المرتزقة من أجل دعم أطروحة الحكم الذاتي، ولم يستفد منها حتى السكان المغاربة في شيء برغم الشعارات الجوفاء والوطنية الممجوجة التي تنبح بها الحكومات. والملايير التي تبذرها البوليساريو والخزينة الجزائرية أيضا في إطار تحصيل صكوك المناصرة ودحر المحتل المغربي. لو قدمت هذه الأموال كلها للعيون لصارت نيويورك في الشمال الإفريقي، ولكن للأسف الشديد أنه لم تستفد الشعوب كلها منها ولا حتى الصحراويين إستفادوا من دريهمات معدودة يواجهون بها مصاعب الحياة في الداخل أو المنافي ومخيمات اللجوء القذرة. فترى هل يمكن أن نصل للحل الذي يجعل الصحراويين يعيشون في أمان كبقية البشر؟!! هل قدر هؤلاء هو المأساة والمعاناة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟ هل سيعاد لهم أمنهم وتحفظ كرامتهم لو فضلوا السيادة المغربية؟ هل ستفتح لهم أبواب السماء بخيراتها لو نجحت البوليساريو في بناء جمهورية سادسة بالمغرب الكبير الذي صار مهددا بالتفتيت في ظل عقلية بدوية وقبلية تحركها إثنيات متناحرة؟!! هل من المعقول أن تنتظر الأمهات لقاءات في منتجعات بنيويورك وفي أحضانهن فلذات الأكباد يتضورون من الجوع والآلام في ظل انعدام الحليب والدواء؟ ماذا لو تتاح الفرصة لهؤلاء المضطهدين حتى يعبروا للضفة الأخرى؟ هل من الممكن بناء دولة بشعب يبحث عن أمنه ولو يجده في لوزوطو ما تأخر لحظة بسبب ما عايشه؟!! أم أنه يجب إبادة الصحراويين حتى يرتاح حكامنا من أوجاع الرأس وإسهال الأمعاء، حينها سيضطرون إلى إعمار الأرض الغنية بالخيرات والثروات المسيلة للعاب والتي لا يصبر على قحطها وشحطها إلا من رضع من غبارها، وربما تعاد المسرحية مجددا على ركح أحداث أخرى لا تنتهي. فهل يمكن أن يتجرأ حكام المغرب الكبير ويفكرون في مصير الشعوب قبل كراسيهم التي هي تحت مؤخراتهم أو تلك التي لا تزال في طريق الإنجاز؟. فاسترجاع الإنسان هو صمام الأمان وهو أهم بكثير من استرجاع التراب الذي يمشي عليه سواء كان حافيا أو بحذاء مستورد، وإلا سنبقى أبد الدهر تتقاذفنا الفتن التي تهوي بنا إلى واد سحيق وغيرنا يفكر في تشييد مدنه بالمريخ والقمر ليهرب من تخلفنا وقبحنا. ليس بالهين أن تسترجع هذا الإنسان الذي اكتوى بنيران المعاناة والظلم لأنه لن يحدث بالكذب والبهتان والتزوير والمحسوبية والمحاباة والنصب والاحتيال والوصاية والخيانة وأنظمتنا لا تتقن إلا هذه السبل الخبيثة، بل يسترجع هذا الإنسان ويكسب قلبه وروحه ووجدانه بالعدل والإنصاف والحق والإيمان الصادق ونبل الخلق والنزاهة والحرية والعزة والكرامة. وأخشى ما أخشاه أن أنظمتنا ضيعت كل الشعوب وبدل أن تصنع بهم دولة سيصنعون من شيعهم دولا ويقع حينها المحظور لا قدّر الله...!! المحرر: لن يتم نشر أي تعليق يتطرق لشخص أنور مالك عوض مناقشة أفكاره بخصوص الموضوع أعلاه المقال القادم: مفارقات مخزية بين مريم مهدي وأميناتو حيدار!! (08/03/2010)