أعرف أن هذه الإعترافات ستكون بمثابة القنبلة التي ستكشف الحقائق المتوارية في طي المجهول، حين نشرها بالتفصيل وبلغات مختلفة وليس في هذه السطور المختصرة عبر مقالة عابرة، وأعرف أننا سنكون محل الكثير من السخط سواء في الداخل الجزائري أو حتى المؤسسة العسكرية أو في الخارج من خلال الموالين للنظام الحاكم، ولكن نرى من الضروري أن ننقل للعالم حقيقة ما يجري في مخيمات اللاجئين الصحراويين أو مخيمات البوليزاريو بدقة أكثر ومهما كلفنا الأمر من ثمن باهض، ومن جانب إنفرادي وحصري لم يسبقنا إليه أحد في نقل حوادث على ألسنة اصحابها تروي الجانب الآخر من مأساة الصحراويين في منفاهم الإجباري... هذه المخيمات التي أعتبرت لدى بعض الأطراف الدليل القاطع على الإنتهاكات الحقوقية التي يقترفها النظام المغربي في حق الصحراويين، وهو ما دفعهم للفرار بجلدهم نحو "جنة تندوف" التي يدعمها النظام العسكري الجزائري بكل ما أوتي من قوة، وصرفت الملايير التي بلغت حوالي 200 مليار دولار من خزينة الدولة على جبهة البوليزاريو منذ 1975، بالرغم من أن أغلبها ذهبت في صفقات مشبوهة بين أطراف تستفيد من الريع الجزائري المستباح، ولا أعتقد أبدا أن تبذير مثل هذه الأموال يدخل تحت طائلة دعم النظام لحق شعب في تقرير مصيره، فالكل يعرف خلفية هذا الموضوع الشائك الذي إن لم تداركه هذه الأنظمة ستكون بلا شك تداعياته وخيمة على المنطقة المغاربية كلها، وفي ظل ريف يبحث عن جمهوريته في المغرب الأقصى، وبعض القبائل ومع من يدعمونهم خارجيا الذين وجدوا في مغني الكباريهات فرحات مهني البوق المردد لأطروحات ترمي نحو تأسيس حكم ذاتي للقبائل وليس للأمازيغ وهو ما يورطهم أكثر في ظل رفض الشاوية وبني ميزاب والتوارق لهذه الحركة المشبوهة ولأطروحاتها العنصرية، التي حملت سفاحا وفي الضفة الأخرى من المتوسط، سيكون الحكم الذاتي هذا حتما بوابة لإستقلال كامل وتقرير للمصير لكل من سيتحصل على هذا التميز، ودرس كوسوفو لا يزال أمامنا حيث بدأ بالحكم الذاتي وإنتهى لإعلان الإستقلال، وإن كنت من أنصار الحكم الفيدرالي لما فيه من شرعية ورشد ونضج سياسي وديمقراطي أكثر جدية، بعد فشل الحكم المركزي لدولة شاسعة مثل الجزائر تتوزع فيها الإثنيات والطوائف وتهددها الأطماع من كل جانب، وهو ما سنعود له في مناسبة أخرى قريبا... لا أريد الغوص في التاريخ لنتحدث عن جذور القضية التي تحتاج إلى مجلدات، ولا عن أطماع الرئيس الراحل هواري بومدين عندما حول من مجموعة طلاب تدرس في الجامعات الجزائرية ومن بينهم الرئيس الحالي للبوليزاريو محمد عبدالعزيز إلى تنظيم مسلح مدعوم بلا حدود سواء ماليا أو عسكريا أو سياسيا، لأجل "جمهورية صحراوية" ستكون بلا منازع بوابة الجزائر على المحيط، ومنه يصنع حاجزا واسعا بين تندوف والمملكة المغربية التي كانت يوما ما محل حرب الرمال، بل نريد أن ننقل للعالم إعترافات سجلت على ألسنة عسكريين جزائريين خدموا في ثكنات بتندوف، عايشوا القضية من عمقها وكانوا شهود عيان أو حتى متورطين مباشرين، يروون تجاربهم وأحداث شهدوها مع هذه المخيمات التي حولت أوكارا للدعارة المنظمة وسجونا للتعذيب والإختطاف والحجز، ويجد فيها هؤلاء المحرومون من المتعة ملاذهم الآمن، سواء لبعدهم عن زوجاتهم أو ممن لا يجدون أمكنة أخرى لإفراغ مكبوتاتهم الجنسية، وبأوامر أخرى تأتي من بعض القيادات العسكرية أو حتى من النافذين المحليين، فضلا عن البوليزاريو التي تمارس سلطتها على شعب يبدو أنه مسجون في هذه المخيمات وليس فارا من جحيم الإحتلال كما يروج له، وبتعبير أفضل أنه رهينة به تستطيع السلطات ومعها البوليزاريو طبعا ومن خلالهم تحقيق تلك الأطماع التي تحاك في الخفاء على حساب الشعوب المحتلة داخليا ومن طرف أنظمة البؤس والفساد هذه، ولا يعني ذلك أننا أستثني أحدا من أنظمة العهر العربي فكلهم في سلة واحدة عندي، فإستغلال الشعوب وأعراضها وكرامتها لأجل أطماع الحكام الشخصية والحسابات الضيقة بينهم، هو الدليل القطعي في الثبوت والدلالة على الفساد والشذوذ والعهر وإنتهاكات حقوق الإنسان الممارسة علنا وبلا أي وازع أخلاقي ولا قانوني وتحت شعارات براقة ومختلفة يراد من خلالها تبييض وجوههم الحالكة في السواد، فالصحراويون يعانون في الداخل ويعانون في الخارج، بل يعيشون بين مد مغربي جارف وبين جبهة تبحث عن الحكم ولو على قرية نائية في الجنوب... فقد روى لنا الكثيرون ممن ساقتهم أقدارهم بأن يكونوا شهود عيان وبمختلف صورهم على مآسي يندى لها الجبين، لو وقفنا عندها في هذا المقام ما وسعتنا المئات من الحلقات، ففيها التفاصيل الدقيقة وحقائق سرية للغاية الوصول إليها ليس شهل المنال، فالحديث عن الدعارة التي تضرب عمق الصحراويين وبتورط متبادل ومنظم بين جبهة البوليزاريو والنظام الجزائري، هو حديث طويل وشائك ويكشف خطورة المرحلة التي تمر بها قضية الصحراء، التي يراد لها إستقلالا تقوده عصابة البوليزاريو التي لم تتق الله في شعبها اللاجئ فضلا من أن تتحول إلى نظام معترف به دوليا وله النفوذ والسطوة والجيش والوزارات والسجون والسفارات في كل أنحاء العالم، أكيد أن الحال سيصل إلى درجة من السوء لا يمكن وصفها، فالربط بين قضية الصحراء التاريخية وبين جبهة البوليزاريو هو في حد ذاته مؤامرة على الصحراويين، فكأن قدرهم هو نظام يحكمهم صنع وطبخ في مخابر نظام الجزائر غير الشرعي والجائر والفاسد... من بين بعض ما يمكن الإشارة إليه في هذا المقام مثلا ما رواه لنا النقيب مساعدية سمير المتحدر من ولاية قالمة والمتخرج من المدرسة العليا للدفاع الجوي عن الإقليم بالرغاية عام 1995، فقد نقل لنا إعترافات لا يمكن تصديقها عن بنات المخيمات اللواتي يتم نقلهن إلى شقق خصصت للدعارة من طرف بعض القياديين العسكريين الجزائريين أو حتى من السلطات المدنية، يؤكد مساعدية على نماذج من هذا المخطط نذكر مثلا أوامرا صدرت من العقيد آيت حملات الذي كان حينها رئيس منطقة الدفاع الجوي وقد صار اليوم قائدا للصواريخ على مستوى قيادة الدفاع الجوي هذه في حسين داي (الجزائر العاصمة)، وبالتعاون بين قادة الوحدات سواء تلك التابعة للقوات البرية أو مجموعة الوسائل المضادة للطيران، للتذكير فقط أن الجزائر تتكون من 3 مجموعات واحدة في العاصمة وأخرى بوهران والثالثة بتندوف، وكلها تتكون من 4 بطاريات نارية وواحدة تقنية وهو ما سنتعرض له بالتفصيل في دراسة لنا عن الأمن القومي الجزائري المستباح بالداخل والخارج... نشير كذلك لقصة "زهرة" البالغة من العمر 17 سنة التي تم إغتصابها من طرف الرائد مدرق ناروا عبدالغاني "المتحدر من عين عبيد ولاية قسنطينة" في شقة بقلب مدينة تندوف، حيث أوهمها بأنه سيقوم بتجنيدها في خدمة المخابرات العسكرية وتقبض أموالا كبيرة من هذا العمل الذي وصفه بفرصة العمر، وأنه سيقوم بتدريبها حتى تؤدي بعض المهمات في الخارج وعلى حساب الأجهزة الأمنية لما تحمله هذه الفتاة من مواصفات خاصة تنطبق على ما يريدونها له من مهمات سرية وأمنية، ولكنه إستغل سذاجتها وخوفها المزروع بين سكان المخيم من كل شخص عسكري وخاصة ان تعلق الأمر بالضباط، الذين يرتبطون ارتباطا وثيقا بشرطة البوليزاريو، توطدت علاقته الجنسية بها حتى فض بكارتها وظل يمارس عليها ذلك برفقة آخرين من زملائه، حتى انتفخ بطنها وظهرت عليها بوادر الحمل، فخطط برفقة مجموعة من العسكريين خطة جهنمية أوصلت في النهاية الفتاة للإجهاض والوفاة الغامضة لشقيقها، بعد مداهمة فصائل من الجيش بيت الضحية على أساس تورطه في التهريب عبر الحدود وعلاقات مشبوهة مع مغاربة... مساعدية سمير الذي شقيقه مساعدية مسعود يحمل رتبة مقدم الآن ويعمل قائدا لبطارية نارية بوهران، وبه صار صاحب نفوذ وسطوة لا تقاوم بين المجندين... يحدثنا أيضا عن شبكات منظمة يرعاها بعض أفراد الجيش وبمساعدة نشطاء من البوليزاريو في إدارة الدعارة المنظمة التي تدر عليهم بالربح الوفير، ويهدف من وراء كل ذلك هو توريط العائلات كلها في قضايا شرف تكون ورقة ضغط على كل من تخول له نفسه أن يفر من هذه المعسكرات نحو العيون أو مناطق أخرى، خاصة أن أغلب السكان متذمرون من ممارسات عصابات البوليزاريو المنافية لكل الأعراف والتقاليد الصحراوية والإنسانية، حيث أن شرطتها بالداخل يضربون الناس وينتهكون حرمات وشرف النساء والفتيات وكل من تخول له نفسه أن يعترض عما يجري يجد نفسه متهما بالعمالة للمغرب، أو إتصالات مشبوهة مع ضباط مخابرات مغاربة، أو أنه يقوم بالتحريض على التمرد والعصيان ومغادرة المخيمات نحو جهات أخرى، وهو ما يشكل إثارة إعلامية ضد مصالح المشروع الجزائري في المنطقة... يروي لنا أيضا قصة أحدهم يسمى "عبدالعزيز" ينشط بمخيم الرابوين وكان من المشرفين على مركز للتعذيب في شكل سجن خصص من قبل للأسرى المغاربة الذين تعرضوا لأبشع أنواع الإهانة والتنكيل بهم، حيث نقل لنا مساعدية سمير أن عبدالعزيز هذا كان بنفسه يقوم بنقل البنات حسب الطلب لأماكن لأجل الترويح عن مسؤولين عسكريين وحتى حراس الحدود، وفي أحد المرات رفضت فتاة ما يقوم به فقام برفقة عسكريين تابعين للبوليزاريو على القبض عليها بتهمة ملفقة، وسلمت لمركز تابع للمخابرات الجزائرية، وهناك تم إستنطاقها على تهم متعددة التي نفتها جملة وتفصيلا ليفرج عليها بعد يوم من الإعتقال بطريقة مشوبة بالشك، فقررت الفتاة الهروب من المخيمات بأي طريقة، وصادف أن تعرفت على عسكري جزائري كان يتردد كثيرا على المخيم، فلجأت إليه تطلب مساعدتها حتى تستطيع أن تغادر نحو المغرب، فوعدها ليتم تأجير شقة لها في المدينة وبوسط حي شعبي، مكثت تلك الفتاة حوالي 5 اشهر وظل العسكري يتردد عليها ويستمتع بسحرها وأنوثتها، وظل يمنيها بتحقيق غايتها في أقرب وقت ممكن، لكن لما أحس بضرورة التخلص منها قام بتبليغ "عبدالعزيز" عن مكانها حيث قام بمداهمة البيت عليها، إغتصبها رفقة مجموعته نكاية فيها وفي كل من تسول له نفسه إقتراف جريمة التفكير في عصيان جبهة البوليزاريو الحاكمة والتي يعتقدون أنها الممثل الوحيد والشرعي للشعب الصحراوي، وحسب مساعدية أنه عثر عليها ميتة في ما بعد ويجهل أسباب وفاتها وإن كان على يقين أنه تمت تصفيتها تحت التعذيب البشع... لقد حكى لنا الكثير هذا الضابط المعروف بمغامراته الجنسية الواسعة، وكان يستغل كثيرا رتبته في تهديد النساء، كما فعل مع حي قصديري في بوزريعة مستغلا مسؤوليته لحاجز عسكري للمراقبة على مستوى مفترق الطرق بين بوزريعة والسيلاست وبولوغين بالجزائر العاصمة، وهو ما لا يمكن أن نرويه في هذا المقام الضيق وسوف تكون التفاصيل في مقام آخر مستقبلا. صانع محمد من الشلف كان يؤدي الخدمة العسكرية الإجبارية بتندوف فروى أيضا الكثير مما يمكن أن يشكل كتابا بمفرده، عن الإستغلال الشنيع لظروف المخيمات من طرف شرطة البوليزاريو التي تتعامل بصفة مباشرة مع ثكنات الجيش الجزائري، فتجد أفراد الشرطة يتعاملون في إطار صفقات مالية مع جزائريين للمتاجرة ببنات المخيمات، حيث يتلقى كل شرطي مبلغا لا يستهان به حول كل فتاة يحضرها، وطبعا تستعمل أساليب مخيفة للتوريط، ومن بين القصص المثيرة التي يمكن أن نشير لها، حكاية تورط فيها نقيب اسمه بوغندور محمد وهي تتعلق بفتاة صحراوية أعجب بها هذا النقيب المنتمي للقوات البرية المرابطة على الحدود في أحد زيارته للمخيمات فطلب من صديق له يعمل مسؤولا في شرطة البوليزاريو أن يمكنه من "جسدها المثير" وقد فتن بها لحد الهوس والجنون، وعده صاحبه من دون أدنى تفكير أن يحقق له ما يريده قريبا، مما يوحي بالتعود على مثل هذه الممارسات المشينة والمنافية للشرف والرجولة... بعد أيام يقول صاحبنا: (عاودنا الذهاب وطبعا بطلب مسبق فوجدنا ذلك الشرطي بمخفره وقد أحضر الفتاة في مكتبه، حيث كانت لا تعلم اسباب حضورها ولا أحد من العائلات يستطيع أن يسأل عن أحد يتم إعتقاله، خوفا من الإتهام الذي يلاحق الجميع خاصة ما يتعلق بالخيانة والتمرد على سلطة الجبهة)، وقد حقق النقيب بوغندور مبتغاه وقضى وقته مع تلك الفتاة التي هي في 19 من عمرها، بعد فترة تنبه عمها لما يحدث في الخفاء وبعيدا عن عيونهم لإبنة أخيه، فتشاجر مع ذلك الشرطي الذي قام بإعتقاله وتعرض لأبشع أنواع التعذيب، ليطلق سراحه وبعد فترة يتوفى في ظروف غامضة قيل أنها بسبب داء السكري... لقد كانت الحكايات التي رواها لنا محمد صانع تثير الغرابة فينا وخاصة أن الدعارة هذه منظمة وبتورط بين عناصر من شرطة البوليزاريو الذين وجدوا فيها الربح الوفير في ظل ظروف متدهورة تعيشها عائلات المخيمات، وأغلب المستفيدين منها هم العسكريون الجزائريون الذين يبتعدون عن أهاليهم وتتناثر ثكناتهم في أعماق الصحراء، حيث تبتعد كثيرا عن المدينة التي يجدون فيها ضالتهم من خلال بيوت الدعارة المفتوحة على مدار الساعة، صانع محمد يؤكد لنا أن أغلب الفتيات المترددات على هذه البيوت هن من الصحراويات وخاصة المطلقات منهن واللواتي يشكلن أغلبية من نساء المخيمات بسبب الظروف الإجتماعية وإن كانت المرأة الصحراوية لديها فرص إعادة الزواج بعد طلاقها وفي نهاية عدتها تقام لها طقوس خاصة ومتميزة، إلا أن الأمور تسير في طريق الوضع المزري للغاية، ولهذا وجدن ضالتهن في تلك البيوت التي تفتح من طرف عاهرات محترفات، وإن كانت هذه البيوت أيضا متواجدة في المخيمات تقدم الخدمات للعسكريين والبدو الرحل من أبناء الصحراء الجزائرية، فكما ذكرنا أن الفتيات اللواتي يشتغلن في الدعارة يلتحقن بهذه البيوت ويمكثن بالأسابيع الطويلة ولا يعدن إلى المخيمات إلا في إجازات خاصة، والغريب في الأمر أن أحد النساء فتحت بيتا للدعارة في وسط مدينة تندوف، تربطها علاقات واسعة بنشطاء جبهة البوليزاريو حسب ما رواه لنا صانع محمد، وزاد تعجبه أكثر أنه رآها وسمعها بنفسه وهي تتصل هاتفيا بزوجة محمد عبدالعزيز الرئيس المعين لجبهة البوليزاريو... بغض النظر عن صحة أو بطلان تلك الروايات الكثيرة التي رددها على مسامعنا هذا العسكري الذي كان يحمل رتبة رقيب، وبعد نهاية خدمته بالرغم من الظروف العائلية المتواضعة جدا إلا أنه إستطاع في ظرف قياسي أن يقيم مؤسسة للزيتون في أعالي مجاجة بولاية الشلف، على كل هو يتحمل مسؤوليتها وقد سمعنا بعضها من أطراف ومصادر أخرى مختلفة تكشف حقيقة ما يجري في هذه المخيمات المثيرة للجدل، والتي ظلت توصف في الداخل الجزائري على أنها مخيمات لاجئين وتصنف في إطار حقوقي بحت، وتوصف من الناحية المغربية أنها مخيمات تواطؤ وإعتقال وحجز وإختطاف للصحراويين تمارسها البوليزاريو وبدعم من الجيش الجزائري، إلا أن ما يحدث في حق هؤلاء ومن الطرفين سواء المغربي أو حتى الجزائري يجعلنا نراجع الكثير من الأوراق والملفات المتعلقة بالقضية الصحراوية، فأن تلجأ النساء للدعارة وتلجأ الشرطة للحجز والتعذيب وقتل الناس وإستغلال الظروف في شبكات تهريب وتجارة الرقيق ومسألة العبودية والرق لهي في حد ذاتها كارثة إنسانية لا تغتفر أبدا، ويمكننا هنا أن نروي قصة أخرى وإن كانت تبتعد بألاف الكيلومترات عن المخيمات إلا انها تكشف حجم ما يجري على الصحراويين من انتهاك صارخ لحقهم في الحياة الكريمة وأعراضهم التي تستباح تحت الإكراه، والأمر يتعلق بسيدة من ولاية تبسة إسمها (خ – شريفة) – نتفادى ذكر اسمها الكامل لوقت لاحق - هذه السيدة التي كانت تملك شقة في حي الشرطة بعاصمة الولاية، وقد فتحت بيتها للدعارة النخبوية إن صحت التسمية، فتجد يتردد على بيتها القضاة والنواب العامون ونواب في البرلمان ومقاولون ورجال أعمال وقيادات عسكرية مختلفة من المخابرات أو الدرك أو حتى الجيش سواء في تبسة أو العاصمة الذين يتحدرون من هذه الولاية التي تعتبر من أبرز الولايات التي يلتحق أبناؤها بالمؤسسة العسكرية، وإن كانت (شريفة – خ) التي صارت ثرية في ظرف قياسي، قد فتحت بيتها لبعض الفتيات الجميلات من تبسة نذكر أجملهن وهي (إمتنان – ر) المعروفة بإسم "تينان" التي ظلت بضاعة مفضلة لبعض الوزراء السابقين وحتى الحاليين وطالما نقلتها للعاصمة الجزائرية لتقضي أياما بأحضان رجال السلطة والنفوذ، إلا أنها تعتبر من أبرز شبكات الدعارة التي قامت بتوظيف الصحراويات الفارات من المخيمات أو حتى اللواتي يلتحقن بمراكز التكوين، ولكن بفضل علاقات منظمة يتم تجنيدهن للعمل في هذه الشبكات التي تمتد إلى العاصمة الجزائرية، يروي لي الرائد بولعيش سمير الذي كان يعمل في مركز الرادار بمنطقة الدكان بأعالي ولاية تبسة تجربته مع شريفة حيث كاد أن يتزوج بإبنتها الوحيدة التي تعيش الآن في فرنسا بعد زواجها من أحد المهاجرين، هذا الرائد المتحدر من منطقة زغاية (ولاية ميلة)، وقد تخصص في التسليح بعد ثلاث سنوات قضاها في مدرسة العتاد بالحراش وتخرج عام 1994 برتبة ملازم، عمل في المجموعة 14 للوسائل المضادة للطيران بالرغاية ثم قضى 3 سنوات بتندوف ليعود بعدها إلى تبسة التي قضى فيها سنوات اخرى من عمره العسكري... إن الحديث في التفاصيل عن تجربة بولعيش هذا مع شبكة شريفة، تحتاج إلى صفحات كثيرة وهو ما سجلناه ونتركه لمقام آخر، إلا أنه وجب أن نشير إلى بعض المحطات المتعلقة بشبكة تجنيد الصحراويات والدور الذي تلعبه أطراف بارزة سواء في البوليزاريو أو حتى السلطة الجزائرية، فشريفة ربطتها علاقة متينة بالسفير الصحراوي بالجزائر محمد يسلم، وظلت تتردد على العاصمة حتى إستطاعت أن تتوسط لأحد أصدقائها في صفقة تمور مع المخيمات بالملايير، لقد كان يتردد على بيتها أبرز الشخصيات وتنقل للعاصمة بنات في سن الزهور تستغل علاقة إبنتها بهن وتورطهن في أمور تأخذها كورقة ضغط ضدهن، فيرضخن للطلب من دون تردد أو حتى نقاش لخطورة الموقف، أمر آخر أنها تمكنت من تجنيد أحد الفتيات اللواتي يدرسن بمركز التكوين والذي يتواجد به صحراويات يخضعن للنظام الداخلي، ومنها إستطاعت أن تصل إليهن وبعد طرق مختلفة ورطتهن في شبكة الدعارة التي تريدها، ومما هو مثير في قصة بولعيش أن شريفة إستطاعت بعلاقاتها مع السفير الصحراوي أن تربط علاقات مع نشطاء بارزين في البوليزاريو، وبفضل علاقاتها الواسعة مع السلطات المحلية يتم تسجيل راغبات في الإلتحاق بمعهد التكوين ولا يشمل ذلك إلا الفتيات اللواتي يتمتعن بمواصفات خاصة، فبعد وصولهن للتكوين يتم إستغلالهن في الشبكة السرية، وأغلبهن لا يلتحقن أصلا بمعهد التكوين وإن كانت الوثائق التي قدمت لأهاليهن حتى يوافقون على سفر البنات، تثبت قبولهن في معاهد للتكوين في مختلف الإختصاصات... فالجميلات جدا يصبحن من نصيب أعيان ومن لهم المال والسطوة، يتنقلن إلى العاصمة ووصل الحال إلى حد ذهابهن في رحلات عشق إلى تونس العاصمة ومقابل مبالغ طائلة تستفيد منها إدارة هذه الشبكة... حتى أنه يروي لي عن إحداهن تسمى أم الخير ولا يدري هل هو إسمها الحقيقي أو إسم مهني فقط، قدمت له شخصيا من طرف شريفة، والتي روت له أسباب ما آلت إليه ظروفها وحولتها من إمرأة عرضها مصون إلى عاهرة يلتهم جسدها كل من هب ودب، وكان السبب الرئيسي في رحلتها المأسوية ما يعانونه في مخيمات تندوف من إضطهاد وإستغلال بشع وتسلط من طرف شرطة البوليزاريو التي هي فوق القوانين والأعراف الدولية... الخ، حتى أنه روى على لسانها قولها: (سأكون عاهرة لفائدة البوليزاريو هناك وعاهرة لفائدتي أنا هنا، فضلت أن أستفيد مادام العهر هو قدري)، حسب ما ردده عنها أنها تقدمت بطلب للدراسة لدى المسؤولين بمخيمات الحمادة بتندوف، ولكن فعلت ذلك للفرار من محاولات تريد أن تورطها في الدعارة ولكن لم تكن تعرف أن مصيرها سيكون ما هي عليه الآن من خزي يلاحقها وسيظل يلاحق أهلها، فبعد رحلة طويلة وجدت نفسها تقضي سهرات ماجنة في العاصمة وبأفخم الفنادق مع مسؤولين في جمعية الصداقة بين الشعب الصحراوي والشعب الجزائري، الذين يستغلون ظروف الصحراويات ليقدمونهن على طبق ساخن لمسؤولين جزائريين بارزين، فحملت بسبب ذلك إضطرتها ظروفها للإجهاض، في النهاية ومن دون الخوض في التفاصيل صارت موظفة في شبكة شريفة هذه، وعلى جسدها الغض تسوق الصفقات ويتبارى بالملايين... ومما تجدر الإشارة إليه أن شريفة أدت فريضة الحج وعلى حساب جهات نافذة عام 2005 لتعلن في ما بعد أنها توقفت عن نشاطها في الدعارة، وإن كانت مصادر أخرى أكدت أن الشبكة عرفت منعطفات أخرى سرية للغاية. الحالات التي وصلنا إليها كثيرة ومتعددة، ولا يمكن أبدا أن نرويها في مقال عابر، لو أطلنا فيه لأثقلنا على القراء الذين صاروا يشتكون من النفس الطويل الذي نتمتع به في طرح القضايا المختلفة، ولكن أؤكد للقراء أن كل تلك الشهادات سجلناها في كتاب سيكون وثيقة لله ثم للتاريخ يروي مأساة شعوبنا الذين تستغل ظروفهم للنيل من أعراضهم وكرامتهم لا لشيء سوى لأطماع ثلة من المفسدين والعاهرين تبحث عن الحكم مهما كانت الوسائل، ولو على حساب شرف الأبرياء الذين سيحكمونهم... فترى ماذا ستقول بعد هذا "جبهة البوليزاريو" التي تبحث عن دولة صحراوية لأجل تحرير الصحراويين وإستعادة كرامتهم المسلوبة من طرف الجيش المغربي؟ وهل ما يحدث يمكن أن يجعلنا نمد أيدينا لهذه العصابة التي أنشأتها المخابرات الجزائرية وظلت تدعمها لأطماع توسعية ليس إلا؟ إن العبث بكرامة الإنسان العربي من طرف الأنظمة، وصلت حد العبث بشرفه وعرضه، أبعد كل هذا يمكن أن نثق في أي كان يأتي ويتغنى بشعارات براقة لا تسمن ولا تغني من جوع، فالصحراويون يتعرضون للإضطهاد في المخيمات وفي العيون ويتعرضون للظلم الذي لا طعم له ولا رائحة، وما رويناه هو قطرة من بحر هذا الخزي العربي المتواصل، لأن الذي يجري أكثر بكثير ويحتاج بالفعل إلى لجان حقوقية مستقلة لا تملك الولاء لأي جهة سواء تدعم البوليزاريو من خلال تقديسها للأطروحات الجزائرية، أو لها الولاء لنظام المخزن المغربي الذي بدوره يرى الصراع هو عهد شرف ضد نظام معه عهد العداء التاريخي منذ حرب 1963... قد يعتقد البعض أننا نورد هذا لأجل دعم الموقف المغربي أو انه تم تجنيدنا من طرف جهات مغربية كما قد رددت بعض الصحف الصفراء التي تحسب نفسها مستقلة في الجزائر، أو يعتقد آخر أن معارضتنا لنظام الحكم دفعتنا إلى نشر هذا المعلومات الخطيرة للغاية، أو اننا نريد التشهير بالصحراويين الشرفاء ونحن على يقين أنهم أصحاب أنفة وعزة لا حدود لها، والكثيرون منهم لا يعلمون ما يجري في حق أعاراضهم... الحقيقة أننا لما وجدنا حرمات شعب تنتهك أردنا أن نوصلها للعالم ولا تهمنا أبدا الحسابات السياسية بين هذا وذاك، وطبعا لا نلوم هؤلاء فأغلبهن ورطن بطرق قذرة وبشعة بقدر ما نحمل جام غضبنا على هذه الأنظمة التي ما كفاها ظلما لشعبها حتى صارت تنجب لنا أنظمة أخرى من رحمها الفاسد والموبوء بنطفات الشر والخبث والزنا... ولنا عودة بالتفاصيل لما يجري مستقبلا. أنور مالك – كاتب صحفي – باريس