إشكالية الآخر/المخالف في مخيال المنتظم النسق التربوي والآخر: العملية التربوية تكاد تخلو من قيم النقد والتشجيع على البحث والإطلاع، فيغيب ذلك في تلك الأوساط ، دون مناقشة دينية بالحجة والمنطق والعقل، وإن كان في أحسن الأحوال من رد، يكون ردا بالشعارات ونبشا في ماضي الأشخاص، وليس ردا على الأفكار والآراء المخالفة، ويقدمون الدروس التربوية، بشكل جاف، لا ترتبط بالواقع الاجتماعي، فضلا عن تناقضاتها ما بين الممارسة والتطبيق ومن تم يحق لنا أن نتساءل: هل المتدين –عموما- له حماس لخدمة المخالف له سواء كان مخالفا سياسيا أو دينيا؟ وإلى أي حد قد نجد نسيان الماضي، أو النبش في سوابق أفراد المجتمع وتاريخهم والحكم عليهم انطلاقا من ظواهرهم ذا جدوى للتعامل مع الآخر؟ لا أعتقد أن محتوى المادة التربوية التي يتلقاها المنتظم تفصح عن حقيقة التعامل مع الآخر المخالف التي ينبغي أن تتسم بالشفقة والمودة والعطف، والتحرر من سجن الماضي، والإعراض عن الحكم على الآخرين؛ ولأن المتدين المنتظم يطمح أن تكون حياته غير متشابهة مع حياة غيره؛ أي غير المنتظم، وهذه نظرة تحتاج إلى تقليب النظر فيها؛ لأن المنتظم ما يؤمن به يخلق لديه جوا عاطفيا نحو الآراء والأشياء، ومن هنا عبر القرآن عن الصلة بين الآلهة والأتباع بالحب حين قال "ومن الناس من يتخذ من دون اللهأندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله" البقرة165./وفي آية أخرى:"لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا".ظاهرة الأرباب تتجسد في تصارع القيادات بينها الذي بدوره يجر إلى تصارع بين قواعد غالبا لا تفهم لعبة الكبار والمصالح والطموحات والمواقع التي تحركهم، وليس لأكذوبة الاجتهادات الفكرية والمشاريع محل هنا التي تسوق للقواعد، أو الجماهير التي لا تزال مأسورة بصورة الزعيم /البطل /الملهم.. ثقافة التبرير ولوم الآخر بدل الذات:تحتضن التنظيمات الإسلامية أنماطا مختلفة من الشخصيات التي تتفاوت درجة تأثرها بماضيها وبثقافة حاضرها ووسطها الاجتماعي، فالملتزم تتحكم في سلوكياته هذه الجوانب، وعلى سبيل المثال، ثقافة التبرير؛ فكما هو الشأن بالنسبة لجميع أفراد المجتمع نجد الملتزم/ المنتظم هو أيضا لم يتخلص من ظاهرة إلقاء اللوم على الآخرين عند الإخفاق؛ كالسلطة والمخزن والأجانب والعلمانيون ... في حين كان من الأجدر في حياتنا وتعاملاتنا اليومية أن لا نلوم أحدا ولو كان الشيطان. ولا ننسى أن لوم الآخر يعني تقديس وتمجيد الذات. خنق الذوق الفني والجمالي أحلى ما في الوجود الجمال، والجمال نقطة ترتبط بالمكان والمحيط، والمحيط لا يعير اهتماما له، والمجتمع المتخلف لا تنبت في أرضه بذور الأذواق الفنية والحس الجمالي، لا ريب أن ثمة عوامل جمة تحول دون السمو بالذوق الرفيع والسليم. الموقف من الجمال والفن والبيئة لدى التنظيم الإسلامي "الحركي" تتحكم فيه عدة عوامل. هل استطاع التنظيم الإسلامي عبر أشكاله التربوية أن يبث تربية جمالية؟ كثيرة هي النصوص التي تحث على الجمال والتزين والاعتناء بالبيئة. لكنها تقرأ بعيون الموتى مع كامل الأسف، والحديث الذي يذكر أن الإيمان بضع وسبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق، نطبقه معكوسا، فإذا جلس الفرد في مكان ترك أثار تخلفه وراءه في "بلاستيكة سوداء.." وإذا أردت أن تلحظ هذا المشهد ما عليك إلا ترى أجواء ما بعد الرحلات أو المخيمات.. فلا فائدة من جلسات تربوية يكثر فيها التثاؤب، وتجتر فيها الأقوال وتهدر فيها الأوقات، فلماذا لا تكون وقفات تربوية، يعمل أصحابها على تنقية وتنظيف أحيائهم وأزقتهم من الأزبال و من القاذورات؟. وقد أصبح بعض المتدينين خصوما للفن، يعرضون الإسلام عقيدة قمعية له، نتيجة استنادهم على الفتاوى المتشددة، والصادرة عن بيئة ثقافية وتقاليد مختلفة عن الواقع المعاش، وتطبع بصفة الشرعية لارتباطها بنص حديثي، وهذا يجرنا للتساؤل: لماذا يتجاهل البعض منهم دور الفنون في الواقع الحالي وما تحققه من أهداف وغايات تعجز الموعظة والمحاضرة عن تحقيقهما.؟ نتحدث في هذا المقام، عن المتدين الحركي، الذي لا يزال البعض منهم ينفر من سماع الغناء المصحوب بالآلات الموسيقية؛ طبعا، ضدا عن فطرته، واستجابة لمحتوى أحاديث مختلف في شأنها متنا وسندا، والغريب أن تجد بعضهم لا شغل له إلا تتبع بعض إخوانه، و إنكار عليهم السماع للأغاني الجميلة مع العلم أن القاعدة الفقهية تقول :المختلف فيه لا ينكر عليه.