0 أكد السيد إدريس لشكر الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان، اليوم الثلاثاء بالمحمدية، أن إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ذي الطبيعة الاستشارية، يعد آلية دستورية أساسية ميزت حقبة العشرية الأولى من عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس. واعتبر في الجلسة الافتتاحية لندوة احتضنتها كلية العلوم القانونية بالمحمدية تحت عنوان "الثقافي في المجلس الاقتصادي والاجتماعي"، أن إقامة هذا المجلس في المرحلة الراهنة يعد استجابة للانتظارات التي حبلت بها دساتير المملكة منذ الستينيات من القرن الماضي، ويندرج في إطار الإصلاحات التي دشنها جلالة الملك محمد السادس وأسس لها جلالة المغفور له الحسن الثاني. وأوضح، في كلمة بالمناسبة، أن المجلس المحدث بمقتضى القانون يتميز بخاصيتين تتمثل الأولى في مهمته الاستشارية التي تضعه في قلب التحدي الذي يفرض وجوب تلازم السياسات الاقتصادية والاجتماعية مع تطلعات التأهيل الشامل للبلاد، وتتمثل الثانية في اعتماده النهج التشاركي الواسع الذي أكد عليه جلالة الملك في 15 أكتوبر 2008 بمناسبة انعقاد القمة الأورو-متوسطية للمجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المماثلة. وقال إن هذا المجلس يعد أيضا آلية لقوة اقتراحية بخصوص السياسات العمومية في مجالات الاقتصاد والمجتمع والبيئة والثقافة وذلك في إطار شمولية الاستشارة التي تتضمن تحليل الظرفية الاقتصادية دوليا وإقليميا ووطنيا، موضحا أن هناك قرارات ومقترحات لا يمكن مناقشتها في إطاراتها إلا بعد عرضها على هذا المجلس. وأشار في هذا الصدد إلى أن هذا المجلس ينظر في القضايا الكبرى المعروضة عليه من قبل الهيئتين التنفيذية أو التشريعية أو المؤسسات العمومية حيث يصيغ بشأنها مقترحات قوانين تساعد المؤسسات المعنية على الحسم في القرار المفترض عبر الحكامة الجيدة. وأضاف الوزير أن المجلس يضطلع أيضا بعدد من المهام منها أساسا أنظمة التغطية الاجتماعية وتدعيم مهمة التشاور بين الفاعلين والقيام بدراسات استشرافية أو توقعية. واعتبر من جهة أخرى أن التصويت بالإجماع على القانون التنظيمي للمجلس في قبتي البرلمان يعكس الإرادة القوية لكافة مكونات المجتمع السياسي والمهني المغربي في تكريس ثقافة الاستشارة والمشاركة في اتخاذ القرارات الكبرى التي تهم البلاد وتمكين المغرب من مؤسسات دستورية من خلال الحرص على الانتقائية في المبادرات والمشاريع التي تهم التنمية. ومن جانبه، أكد السيد لحبيب المالكي الوزير السابق في التربية والتعليم وتكوين الأطر، في كلمة بالمناسبة، على التحولات التي شهدها مصطلح الاستشارة في الأوساط السياسية والاجتماعية بالمغرب مستشهدا بأداء عدد من المجالس الاستشارية المحدثة في المغرب خلال العقد الأخير وانتقالها من النظرة السلبية إلى انطباع إيجابي لدى الرأي العام، على الرغم من الاختلافات في التقييم. وأوضح أن من بين دواعي تأسيس هذا المجلس ما تميزت به العقود الأخيرة من هيمنة للبيرالية والعولمة التي أدت إلى تأزيم الأوضاع على الصعيد الدولي خاصة الأزمة المالية العالمية مما أتاح الفرصة للحديث عن الحكامة الجيدة و الناجعة والإشراك في القرار. وأشار إلى أن من هذه الدواعي أيضا تميز الظرفية الحالية بالعلاقات القائمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي على مستوى الوضع المتقدم الذي أصبح يتجاوز ما هو تقليدي للدخول في إطار العلاقات المحورية القائمة أساسا على ما هو أمني شامل مما يفرض على المغرب تأسيس بنيات جديدة تساعده على تعددية قنوات الحوار والتأثير على القرار الأوروبي في المجالات ذات العلاقة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي. وأضاف، في ذات السياق، أن المغرب يجتاز مرحلة انتقالية صعبة ومعقدة تتطلب منه تدبيرا سلسا مع تحصين المكتسبات وربط الجسور مع مكونات المجتمع المغربي على قاعدة التحاور والتعرف على الذات وتأسيس قواعد جديدة تشمل التسامح والإنصات عبر الآليات الضرورية. واعتبر أن صفة الاستشارة التي دبر بها المغرب العديد من الملفات الشائكة تحولت مع تراكم التجارب إلى سلطة استشارية مكنت من اكتساب النضج المؤسسي والوعي الاقتصادي وهو ما تمثل - برأيه - في الإجماع الحاصل في البرلمان بشأن هذا الموضوع. وركز السيد المالكي، في ختام مداخلته، على ثلاث نقاط اعتبرها مدخلا وشروطا أساسية لإنجاح هذه المؤسسة الدستورية الفتية الداعمة للديموقراطية أولها الاستقلالية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية من أجل تعزيز توجهها المؤسسي، وثانيها المصداقية والابتعاد عن النزاعات الفئوية في التحليل وفي اتخاذ المواقف وتجنب الاصطدامات من أجل تأسيس منهجية تقوم على الحوار والتوازن. وثالث هذه الشروط - حسب السيد المالكي- تتمثل في النجاعة حتى يلمس المواطن الآثار الإيجابية لعمل المجلس وتطوير مواطنته والدفاع عن حقوقه وواجباته. وأشار إلى أن هذه الشروط الثلاثة تتطلب خبرة كبيرة ورصيدا معرفيا جيدا وقويا بالحاجيات ومعلومات دقيقة وشمولية حتى تتكون للمجلس أراء مقنعة قابلة للتطبيق وتقوم على منهجية إنتاج الرأي وصقله. وأوضحت مداخلات أساتذة جامعيين وباحثين في مجالات القانون والاقتصاد والثقافة والفنون، أن القانون المنظم للمجلس الاقتصادي والاجتماعي تم بناؤه في إطار القانون المقارن الذي شمل عددا من التجارب الممثلة في عدد من البلدان الأوروبية والمتوسطية والجنوب متوسطية. وأبرزت هذه المداخلات الأهمية القصوى لضرورة حضور الثقافي في مجال اشتغال المجلس لما للثقافة من آثار مباشرة وقوية على تفعيل التنمية المستدامة والشاملة التي انخرط فيها المجتمع المغربي منذ سنين طويلة. حضر جلسة الافتتاح السيد عبد العزيز دادس عامل إقليمالمحمدية وأساتذة جامعيون وممثلو المجتمع المدني والسياسي والمنتخبون وجمهور غفير من الطلبة.