اعتبر المتدخلون في ندوة حول موضوع "انحسار دور النخب في حركات التحديث العربية" أن أغلب النخب المثقفة لم تساهم بشكل فاعل في دعم ومساندة حركة التحديث التي شهدتها المنطقة العربية خلال الآونة الأخيرة، وذلك بالنظر إلى "تراجع أدوارها التأطيرية والتوجيهية، وفشلها في مواكبة التحولات العميقة التي شهدتها البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للدول العربية". وأوضحوا خلال هذه الندوة المنظمة، أمس الإثنين بأصيلة، من طرف جامعة المعتمد ابن عباد الصيفية، المنعقدة في إطار موسم أصيلة الثقافي الدولي في دورته ال` 33، أن النخب التقليدية التي تخلت عن الاضطلاع بعدد من أدوارها الأساسية، أفسحت المجال لظهور منظرين وموجهين وقادة رأي جدد ساهموا بقسط وافر في دعم موجة التغيير السياسي التي تشهدها المنطقة العربية، انطلاقا من إدراكهم لمواطن الخلل في المنظومة الديمقراطية ومناصرتهم لطموح التحديث لدى شعوب المنطقة، لاسيما لدى فئة الشباب. واعتبر هؤلاء المتدخلون، وهم ثلة من المفكرين والأدباء والجامعيين والإعلاميين العرب المرموقين، أن بعض النخب "رضيت منذ زمن طويل بالنهج السياسي الذي تبنته عدد من الأنظمة العربية، بالرغم من اعتلالها وافتقادها لمقومات الديمقراطية والحداثة والحكم الرشيد، مما جعلها تتخلى تدريجيا عن عنصر المصداقية الذي يعد شرطا أساسيا في نجاح واستمرارية النخب". وفي هذا السياق، قال الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، السيد محمد بنعيسى، إن الأوضاع الراهنة أضحت تقتضي أكثر من أي وقت مضى مساءلة الأدوار المنوطة بالنخب العربية والبحث عن السبل الكفيلة بتحسين أدائها، انطلاقا من المعطيات التي تفيد بانكماشها وانحسار إسهامها المعهود في قيادة المشروع التحديثي والنهضوي العربي. من جهته، اعتبر رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة ومستشار عاهل المملكة في الشؤون الديبلوماسية، السيد محمد عبد الغفار أن النخب تتعدد وتتنوع من حيث مهامها وأدوارها في قيادة ركب التنمية والتحديث، مشيرا إلى أن إحدى أبرزها هي النخبة "المعولمة" ذات الإسهام الإيجابي في مسلسل التطوير الذي تشهده الدول العربية. من جانبه، سجل الكاتب والروائي المصري جمال غيطاني، في حديثه عن التغيير السياسي الذي شهدته مصر في خضم ما أضحى يعرف ب` "الربيع العربي"، أن النخبة التقليدية الموالية لنظام الحكم السابق لم تستقرأ جيدا دلالات اللحظة السياسية والاجتماعية التي كانت تمر بها البلاد، موضحا أن الشباب المصري كان في تلك الأثناء يعيش عصر التكنولوجيا الحديثة وثورة مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت من العالم الافتراضي منطلقا لقيادة التغيير على أرض الواقع. بدوره، قال الأستاذ الجامعي والكاتب مبارك ربيع، متحدثا في سياق متصل، إن الأنظمة العربية ظلت ولزمن طويل بعيدة عن التحولات العميقة التي كانت تشهدها أوروبا في سعيها إلى تحقيق التقدم والازدهار على جميع الأصعدة، وبالتالي فإنها لم تحاول الاستعانة بالتجربة الأوروبية في التأسيس لتغيير حقيقي ينبني على أسس ديمقراطية صلبة. يذكر أن تنظيم هذه الندوة يأتي تحضيرا لمؤتمر عربي كبير حول النخب العربية، تعتزم مؤسسة منتدى أصيلة تنظيمه في موسمها الثقافي المقبل، بحضور صفوة من المفكرين والمثقفين والكتاب والإعلاميين العرب.