شدد الباحث الجامعي المغربي والرئيس السباق لجامعة محمد الخامس-أكدال بالرباط، الأستاذ حفيظ بوطالب الجوطي، على أهمية إقامة فضاء مغاربي مشترك للتعليم الجامعي والبحث العلي، من أجل الرفع من مستوى القدرات العلمية والفكرية التي يزخر بها كل قطر مغاربي على حدة والعمل على تجميعها وتطويرها. وقال بوطالب في عرض أمام ندوة علمية حول تقييم أوضاع التعليم العالي في البلدان المغاربية، المنعقدة حاليا بالعاصمة التونسية، بمشاركة نخبة من رؤساء الجامعات والباحثين والخبراء من عدد من البلدان المغاربية من بينها المغرب، إن الطاقات العلمية المغاربية مطالبة الآن وأكثر من أي وقت مضى بتكثيف جهودها للعمل سويا في إطار فضاء مغاربي للتعليم العالي والبحث العلمي، في انتظار أن يكتمل هذا الفضاء على المستوى السياسي. وبعد أن أشار، على سبيل المثال، إلى أن أوروبا تتوفر على فضاء للتعليم العالي والبحث العلمي أصبح يضم حاليا 46 بلدا أوروبيا باعتبار أن هذا المجال الحيوي يتجاوز الاعتبارات السياسية، قال إنه "إذا لم نستطع أن نبني اتحادا مغاربيا سياسية، فعلى الأقل نعمل على تكوينه على مستوى التعليم العالي والبحث العلمي". وأوضح في هذا السياق أن نظام (إجاز، ماستر، دكتورة) أو ما يعرف ب` (إ م د) الذي تعمل به جل البلدان المغاربية، هو نظام جامعي أوروبي ظهر منذ سنة 1999، يتيح للطالب أن يبدأ تعليمه الجامعي في بلد ما ويستكمله في بلد آخر من بلدان هذا الفضاء، مشيرا إلى أنه بعد انفتاح الاتحاد الأوربي اليوم، على الضفة الجنوبية للمتوسط، فإنه بالإمكان العمل في إطار نفس الفضاء. من جهة أخرى تناول السيد حفيظ بوطالب في عرضه تقييم تطبيق نظام (إ م د) في المغرب وآفاق المستقبل، فأوضح أنه على الرغم من المزايا الهامة التي يوفرها هذا النظام، فإنه "يجب التحلي بنوع من اليقظة المستمرة إزاءه من أجل تطوير نتائجه باستمرار إلى الأحسن ومواكبة المتغيرات المتسارعة في عالم العلم والمعرفة". وأضاف أنه من بين النتائج الإيجابية التي حققها النظام، أن نسبة اندماج خريجي الجامعة في سوق الشغل، في إطار هذا النظام، أضحت الآن أعلى بكثير مما كان عليه الأمر في السابق، إذ تضاعفت ثلاثة مرات تقريبا، بالإضافة إلى كون نسبة الطلبة الذين يتابعون دراستهم العليا في الدكتورة ارتفعت هي الأخرى، بما يعني أن المردودية الداخلية للنظام سجلت ارتفاعا كبيرا. كما أبرز الباحث الجامعي المغربي أن تحديث الجامعة المغربية بفضل تطبيق هذا النظام شهد ارتفعا وتطورا ملموسا، حيث أضحت المعلوميات هي أساس النظام بعد أن صارت تشمل المسالك العلمية بما في ذلك العلوم الإنسانية وشعبة الدراسات الإسلامية. غير أن الأستاذ بوطالب أشار إلى أن نظام (إ م د) لم يساعد، بالشكل المطلوب، على تحقيق بعض الأهداف المرسومة، والمتمثلة في تمكين الطلبة من تملك اللغات وتقنيات التواصل والمعلوميات بغض النظر عن تخصصاتهم، الأمر الذي دفع إلى تطوير النظام وإحداث ما يسمى بمراكز اللغات في كل الجامعات. ولذلك، بضيف الباحث الجامعي المغربي، فإن عملية الإصلاح الجامعي هي عملية ليست منحصرة في الزمان والمكان، بل هي مسلسل يخضع للتقييم والتقويم بشكل مستمر من أجل التطوير إلى الأفضل. وخلص الرئيس السابق لجامعة محمد الخامس- أكدال الرباط إلى أن المغرب شهد خلال العشرية الأخيرة إصلاحا هيكليا لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي، مس نظام الحكامة وعمق مفهوم الاستقلال الذاتي لمؤسسات التعليم العالي، كما مس النظام التربوي بإدخال نظام (إ م د)، ومس أيضا هيكل البحث العلمي والابتكار التكنولوجي، وهي عملية متطورة باستمرار لمواكبة التحولات التي يشهدها العالم في مجال العلم والمعرفة. يذكر أن هذا اللقاء، الذي تنظمه على مدى ثلاثة أيام، مؤسسة التميمي التونسية للبحث العلمي والمعلومات، في إطار مؤتمرها السنوي الرابع والثلاثين لمنتدى الفكر المعاصر، بتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية، يتناول أوضاع التعليم العالي في البلدان المغاربية ووسائل الإصلاح في ظل المتغيرات المعرفية المحلية والدولية.