بداية، افجأ الشاعر السوري نزيه أبو عفش جمهوره البيروتي، أمس الخميس بمسرح المدينة، بقوله إنه لن يقرأ شعرا هذه الليلة. ولأن نزيه أبو عفش شاعر حقيقي، قال إنه تورط، وإن مقدار ارتباكه أمام الجمهور "أكبر من دلال الفصحى". وقال إنه ينظر إلى الثورات من خلال آلام الناس، وإنه كتب عليه ألا يكون مشابها اليوم لما كان عليه أمس ولما سيكون عليه غدا. وقرأ أبو عفش ، الذي حل ببيروت بدعوة من (نادي الساحة)، "الإحباط" و"الجبن الداخلي" الذي يعيشه إزاء الرجات المتوالية التي تعرفها بلدان عربية، وكذا تسونامي اليابان "الذي اختفى من صدارة الأحداث كأن أرواحا إنسانية لم تزهق بالمئات". قرأ صاحب ديوان (الله قريب من قلبي- 1980) يوميات، هي شعر حقيقي أو تنضح بكثير من الشعر، كتبها في الفترة الأخيرة خلال معايشته الوجدانية لما يحدث في الكون وغير عنوانها من (يوميات الغضب وقصائد أخرى) إلى (عام اليمام) ثم إلى (دمع اليمام). وتلا بالخصوص مقاطع (أدوات القيامة) و(شعب النسيان) و(طريق النبع) و(صانع الخريف) و(ناووس) و(انتهت الحرب) و(التلميذ) و(كن عدوا صالحا) و(الوسيط السماوي) و(خطاب الدفن) و(شقيق التعاسة) ... يوميات، كما أرادها صاحبها، تعكس مفارقات وجودية وخيبات الأمل وانكسار الأحلام وتحطم المثل والنهاية التراجيدية وديمومة التمرد والغضب ضد الجبابرة والسماسرة والوسطاء، ومن أجل عالم جميل يحلم فيه الأطفال دون خوف كما في مقاطع عن مأساة (فوكوشيما) اليابانية. مقاطع جارحة تقول عن التسونامي الذي ضرب اليابان، الذي قال الشاعر إنه قضى عليه في ساعات، "ما جدوى عينيك إذا كانتا عاجزتين عن شم الحريق"، وتقول في (قرية الكون): "لأني لا أحب أن أكون جنديا في جيش أحد، نصبت نفسي جنرالا على جيش نفسي، وخسرت كل المعارك"، وتقول في (ستة أيام الرب): "الأموات .. وحده موتهم صادق وحقيقي". عد "الطاغية أسوأ صناعات العبيد" (قديس الدم)، و"النصر كما الهزيمة خطيئة غير قابلة للغفران" (كن عدوا صالحا)، و"بلادك التي تعرف أنك لا تستطيع محبتها إذا لم تكن قادرا على محبة نفسك ... بلادك، بلاد الجميع، ما عداك، بلاد موتك" (عكس النشيد)، و"ما من أحد يستطيع أن يذرف الدمعة ذاتها مرتين" (حكمة الضعيف). قدم نزيه أبو عفش ، الذي ازداد ببلدة مرمريتا عام 1946، لجمهور الشعر الكاتب سماح يوسف إدريس (رئيس تحرير مجلة الآداب البيروتية) الذي رأى فيه "شاعرا في كل شيء"، و"شاعرا في كل لحظة"، وهو "قصيدة تمشي على قدمين من ألم"، معربا عن حيرته حول هل أن صديقه أبو عفش "صديق أم قصيد". من دواوين نزيه أبو عفش (الوجه الذي لا يغيب- 1967)، و(عن الخوف والتماثيل- 1970)، و(حوارية الموت والنخيل- 1971)، و(وشاح من العشب لأمهات القتلى- 1975)، و(الزمن الضيق أيتها الأرض الواسعة - 1978)، و(بين هلاكين-1982)، و(هكذا أتيت هكذا أمضي-1989)، و(ما ليس شعرا-1992)، و(ما يشبه كلاما أخيرا-1997)، والكتاب النثري (تعالوا نعرف هذا اليأس -1980).