شكل موضوع "الزنوجة في الشعر العربي" محور مناقشة خلال الندوة المدرجة ضمن فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الشعر العربي الإفريقي، الذي تحتضنه مدينة زاكورة في الفترة ما بين 19 و 21 مارس الجاري. وساهم في أشغال هذه الندوة، المهداة إلى الشاعر العربي الكبير محمد الفيتوري، الباحثون والنقاد المغاربة مصطفى الشادلي وبن عيسى بوحمالة ويوسف ناوري. وشكلت هذه الندوة أيضا فرصة لتسليط الأضواء على الشعر الزنجي الإفريقي الناطق باللغة الفرنسية، وذلك من خلال مداخلات قدمها كل من الشاعر الكاميروني بول داكيو، والكاتب البوركينابي فريديريك تيتينكا، والأديب السنغالي ماروبا فال. وبخصوص حضور الزنوجة في الشعر العربي، سجلت المداخلات غياب هذا الموضوع في المنظومة الشعرية العربية باستثناء الشعر العربي السوداني، خاصة في دواوين وقصائد الشاعر المتميز محمد الفيتوري، الذي تناول هذا الموضوع بكيفية إبداعية، كمية ونوعية، تستحق الاهتمام. وقد سجلت المداخلات حضور موضوع الزنجية في بعض الأعمال الإبداعية العربية الأخرى، كما هو الحال مثلا بالنسبة لإبداعات الأديب الفلسطيني الراحل معين بسيسو، لكن حضورها لم يكن بالشكل الوازن، الذي يجعل من هذا الموضوع تيمة قائمة الذات قابلة للمناقشة والتحليل والتعليق. وسجلت المداخلات أن هناك تقصيرا كبيرا في الاهتمام بالأدب والشعر الإفريقيين من طرف الباحثين والمترجمين ومراكز الدراسات ومؤسسات البحث في العالم العربي، معتبرين أن المحاولات المبذولة في هذا الإطار لا تناسب المكانة والقيمة التي يحظى بها الإبداع الإفريقي في مدونة الآداب العالمية. من جهة أخرى، تطرق النقاد والمبدعون المغاربة والأفارقة، المشاركون في هذه الندوة، إلى مسار الشعر الزنجي الإفريقي الناطق باللغة الفرنسية منذ نشأته حتى وقتنا الراهن، مبرزين بعض خاصيات هذا الشعر، ورموزه من الشعراء الأفارقة. وفي هذا السياق، أشارت المداخلات إلى أن الجيل الأول من الشعراء الزنوج الأفارقة ظهر إبان الفترة الاستعمارية، واستمر إلى فترة ما بعد الاستقلال، حيث كان الشعر في تلك الفترة يتغنى بالذات الإفريقية وبالرجل والمرأة الإفريقيين. كما كان الشعر مسخرا لمقاومة القهر واستنهاض الهمم ضد السلطات الاستعمارية، حيث برزت أصوات شعرية إفريقية متميزة في هذه الفترة مثل الرئيس السنغالي الراحل ليوبولد سيدار سنغور، والشاعر الإفريقي الذائع الصيت إيمي سيزير. ومع متم عقد السبعينيات وبداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، ظهر جيل ثان من الشعراء الأفارقة في بلدان مختلفة، تميزت أعمالهم الإبداعية بالابتعاد عن موضوع الزنوجة، وترجمة انخراط الإنسان الإفريقي في القيم الكونية، وتوظيف التراث الإفريقي أحيانا في الشعر الإفريقي. ومع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، برز جيل جديد من الشعراء والشاعرات الإفريقيات، ومن المميزات الإبداعية لهذا الجيل تمجيد المرأة الأفريقية، وتوظيف اللهجات المحلية في نظم القصائد باللغة الفرنسية، كما شكل هذا الشعر إضافة كمية ونوعية للشعر الناطق باللغة الفرنسية الذي أبدعه شعراء غير فرنسيين، شأنه في ذلك شأن الشعر المغاربي الناطق باللغة الفرنسية.