قال الأستاذ في جامعة محمد الخامس والسفير السابق السيد ناصر بن جلون التويمي، إنه من شأن المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء توفير حل سياسي مناسب للنزاع الذي يضر بمصالح كل الشعوب المغاربية، ويحول دون اندماج إقليمي قادر على تحقيق الرخاء والسلام والأمن، ليس في المغرب العربي فحسب، وإنما في منطقتي الساحل والصحراء والمتوسط. وأكد الدبلوماسي السابق، في مداخلة له في إطار ندوة انعقدت في روما أمس الخميس في موضوع "السيادة والتراب : الحكم الذاتي كحل سلمي للنزاعات"، أن تفعيل الحكم الذاتي يندرج تماما ضمن الخيارات الديمقراطية ولامركزية الدولة المغربية في مجموعها. وأوضح أن الحكم الذاتي هو أفضل ضامن لاحترام الحقوق الأساسية للإنسان، المعترف بها والتي يكفلها الدستور والقوانين والتزامات الدولية للمغرب. وذكر السيد بن جلون التويمي، في هذا الصدد، بتنصيب جلالة الملك محمد السادس للجنة الاستشارية للجهوية، والتي، يضيف الدبلوماسي السابق، ستقدم قريبا تصورا عاما للنموذج المغربي لجهوية متقدمة، تضطلع بها مجالس ديمقراطية، وذلك في إطار توزيع منسجم للكفاءات بين المركز والجهات. كما ذكر بالتعليمات الملكية إلى اللجنة الجديدة للتفكير معمقا حول السبل والوسائل الكفيلة بجعل الأقاليم الجنوبية نموذجا حقيقيا للجهوية المتقدمة، لتعزيز التدبير الديمقراطي لشؤونها المحلية وللرقي بها من أجل ممارسة سلطات أوسع. وأشار السيد بن جلون تويمي إلى أن دراسة المبادرة المغربية في ضوء تجارب للحكم الذاتي يظهر أنها ليست فقط "جادة وذات مصداقية"، ولكنها مشروع يدمج مفهوما معترفا به عالميا للحكم الذاتي، يستند إلى مبادئ الشرعية الدولية ويستجيب تماما للقواسم المشتركة لمختلف المقاربات والمذاهب التي تحكم هذا المجال". وأضاف أنه أخذا بعين الاعتبار خبرة وطنية من عدة عقود في مجال الإدارة الترابية، يندرج المشروع المغربي في إطار التصور المعترف به عالميا لنظام الحكم الذاتي، ويعكس الإرادة القوية للبلاد وانخراطها في تعزيز القيم الديمقراطية للعدالة والتنمية المتناغمة والانفتاح والحوار والسلام الدائم". وأشار الدبلوماسي السابق إلى أن المشروع يجمع بين السيادة المغربية والحقوق الجماعية لساكنة الصحراء على أساس هويتهم الجهوية ذات الخصوصية. وأكد أنه منذ إطلاق هذه المبادرة، فإن المملكة تنتظر اغتنام الأطراف الأخرى لهذه الفرصة من أجل التوصل إلى حل دائم ومقبول من الأطراف، والمساهمة في التقريب بشكل ملموس بين بلدان المنطقة، وتعزيز استقرارها واستعادة دينامية الاندماج المغاربي لفائدة الجميع. ولاحظ السفير السابق أنه في السياق الراهن للعولمة، وتبعا للتغيرات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم، فإن "الحق في تقرير المصير يمر بمرحلة انتقالية ليصبح حقا في الديمقراطية والحكامة الجيدة، مع إيلاء اهتمام خاص للحكم الذاتي الترابي". وبعد أن أبرز رهان الحداثة والدمقرطة الذي ترفعه المملكة بنجاح، لاحظ السيد بن جلون "أنه في بداية القرن ال` 21، فإن الحكم في المغرب يوجد في إطار استمرارية لا تضمنها سوى الملكية"، مؤكدا تشبث البلاد بالإسلام مع الانفتاح على الغرب، الذي يتقاسم معه القيم وانخراطه التام والكامل في الأهداف السامية لميثاق الأممالمتحدة. وذكر الدبلوماسي السابق، في هذا الإطار، بالإصلاحات الديمقراطية الكبرى التي أطلقتها المملكة في مختلف المجالات (المرأة والطفل، الأمازيغية، حقوق الإنسان). وأشار أيضا في هذا السياق إلى تنصيب جلالة الملك محمد السادس، قبل أيام قليلة، للمجلس الاقتصادي والاجتماعي "لإعطاء دفعة قوية لدينامية الإصلاح التي أطلقها جلالته منذ توليه العرش، مع ضمان أن يتم بناء ديمقراطية فعلية جنبا إلى جنب مع التنمية البشرية المستدامة". كما تطرق السيد بن جلون التويمي إلى السياق التاريخي لمشروع الحكم الذاتي في الصحراء، مؤكدا أن المغرب، "وعلى الرغم من عداء جاره، تحلى على الدوام بضبط النفس وحسن النية"، و"شارك بحسن نية في جميع المبادرات التي أشرفت عليها الأممالمتحدة من أجل التوصل إلى تسوية عادلة ودائمة لهذا النزاع". وقال في هذا الصدد، إن مقترح نظام للحكم الذاتي في منطقة الصحراء يشكل "مساهمة بناءة ومنسجمة مع تطور الواقع الوطني والدولي". وأشار إلى أن "هذه المساهمة تمت على أساس مشاورات وطنية واسعة شاركت فيها جميع الأحزاب السياسية وممثلي الساكنة الصحراوية، المنظمة طبقا لمبادئ ديمقراطية تشاركية شاملة وشفافة". وقد شكلت الندوة، التي سلطت الضوء على النموذج الإيطالي للجهوية، مناسبة لتبادل مثمر بين سياسيين ومثقفين مغاربة وإيطاليين بشأن موضوع يمثل بالنسبة للمغرب أحد أهم الأوراش المهيكلة في السنوات الأخيرة. وتمحورت النقاشات خلال هذه الندوة، المنظمة من طرف المركز الإيطالي للمصالحة الدولية، حول النموذج الإيطالي للجهوية. وقد انكب المشاركون على دراسة المفهوم الإيطالي للاتحاد الضريبي، وهو موضوع راهن في شبه الجزيرة. وتميزت الندوة، على الخصوص، بمداخلات السيد حسن أبو أيوب سفير المغرب في إيطاليا، والسيدة آسية بنصالح العلوي السفيرة المتجولة للمملكة وأحد رئيسي مجموعة الحكماء حول الحوار بين الشعوب والثقافات لدى المفوضية الأوروبية. ومن بين المتحدثين خلال هذه الندوة، السيد لويجي فيتوريو فيراريس رئيس مجموعة الحكماء حول الحوار بين الشعوب والثقافات لدى المفوضية الأوروبية، والسيد إنريكو لا لوجيا رئيس اللجنة البرلمانية لتطبيق الاتحاد الضريبي، والسيد أنطونيو مارتينو برلماني ومفوض الدفاع في مجلس النواب، والسيد بييرجيورجيو سفير إيطاليا بالرباط، والسيدة إيمانويلا ديل ري مؤسسة مؤسسة "إيبوس" (الوكالة الدولية للوساطة والتفاوض العملياتي) والأستاذة في جامعة لاسابينزا بروما. كما تحدث في نفس الموضوع أساتذة جامعيون في إيطاليا، إضافة إلى السيد لوتشيو مالان عضوا لجنة الشؤون الدستورية في مجلس الشيوخ، وباسكوال دي ليز رئيس مجلس الدولة.