في جو مهيب،قامت شخصيات بارزة من المسلمين واليهود والمسيحيين أمس الثلاثاء بزيارة معتقل أوشفيتز بيركينو (بولونيا )،الذي كان شاهدا على الإبادة النازية إبان الحرب العالمية الثانية،على أمل ألا تتكرر مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية. وشكلت هذه الرحلة،التي شارك فيها أزيد من 150 من قادة وشخصيات من مختلف الأطياف،بمبادرة من "مشروع علاء الدين"،الذي يعد مبادرة دولية تعمل من أجل تحقيق المصالحة بين اليهود والمسلمين من خلال التعليم،ومعرفة التاريخ،والحوار والاحترام المتبادل،وذلك بشراكة مع منظمة (اليونسكو) وعمدية باريس،مناسبة لتكريم ذي بعد إنساني لضحايا هذه المأساة. وقد رفع مفتي البوسنة الدكتور مصطفى سيريتش أكف الضراعة ترحما على أرواح مئات الآلاف من الأشخاص،الذين لقوا حتفهم أو تجرعوا ضروب المعاناة إبان إحدى أسوإ المآسي التي شهدتها الإنسانية. كما وضع المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر إكليلا من الزهور على النصب التذكاري للمحرقة،مشيرا إلى "مسؤولية تاريخية" للجريمة التي ارتكبتها ألمانيا النازية،والتي خلفت 1ر1 مليون قتيل في معتقلات أوشفيتز بيركينوزي. ويحكي الناجون من هذه المعتقلات،الذين قدموا من أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية،لزيارة مكان اعتقالهم للمرة الألف،بحسرة عن ظروف ترحيلهم وإقامتهم والإفراج عنهم،إلى جانب الذكريات التي مازالوا يحتفظون بها عن أقربائهم الذين لقوا حتفهم في هذه الجريمة. إنها شهادات مؤلمة تختلف باختلاف مسار أبطالها،تم البوح بها بفضل هذه الرحلة التاريخية لممثلين عن المجتمع الدولي،من ضمنهم ولأول مرة ممثلين عن العالم العربي-الإسلامي ،ومن بينهم مغاربة. وفي رسالة موجهة للمشاركين،أكد الرئيس البولوني برونيسلاف كوموروفسكي أن هذه الرحلة تتزامن مع الذكرى ال 66 لتحرير الجيش الأحمر لهذا المكان الذي "يرمز إلى شر القرن العشرين"،و"لأحد المآثر الذي لا يسمح بأن ننسى كونه شكل انهيار الإديولوجية النازية الإجرامية،ومدى كراهيتها وازدرائها للآخر" . من جانبه،أكد مفتي البوسنة أن "هذا النوع من الشر لا يمكن تفسيره،لأنه إذا حاولنا شرحه فإننا قد نجد له ما يبرره ". وأضاف الدكتور مصطفى سيريتش ،في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء،" لم أفكر أبدا في الشكل الذي قد يكون عليه معتقل أوشفيتز،حتى تجرع وطني الفظائع ذاتها"،وذلك في إشارة إلى الإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب البوسني،ولاسيما إبادة 8000 مسلم في سريبرينيتشا سنة 1995. وأعرب عن أسفه قائلا " فشلت أوروبا في الوفاء بوعدها مرة أخرى"،مؤكدا أنه يتعين أن لا تتكرر "أوشفيتز وسريبرينيتسا" مرة أخرى. نفس المشاعر كانت حاضرة لدى الشيخ خميس عبدة رئيس الأئمة في الضفة الغربية،التي يرزح فيها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي،حيث تمارس في حقه منذ نكبة 1948 فظاعات مماثلة. وقال "يؤسفني أن أرى أن ممارسات من هذا القبيل حدثت يوما ما على هذه الأرض،وكفلسطيني أتمنى أن لا يتكرر مثل هذا أبدا لأي شعب من الشعوب". وأضاف "لقد عشنا نحن الفلسطينيين النكبة ونعيش دائما على أمل رؤية دولتنا المستقلة من أجل العيش في سلام وأمن مع جميع الشعوب". أما الرئيس الموريتاني السابق أوعلي ولد محمد فال،وهو أحد مؤسسي مشروع علاء الدين،فيرى أن هذه الرحلة تعد دعوة للمجتمع الدولي لتعزيز يقظته والتأكيد على الحيلولة دون تكرار مثل هذه المآسي. وأبرز،في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء،أنها "دعوة للصداقة اليهودية-العربية،وإلى التسامح بين المسلمين واليهود والمسيحيين،وقراءة التاريخ من زاوية إيجابية"،مشيرا إلى أنه على عاتق المجتمع الدولي "واجب الذاكرة تجاه الإنسانية". من جانبه،أكد عمدة الدارالبيضاء السيد محمد ساجد،الذي يشارك رفقة 15 من نظرائه في افريقيا وأوروبا والشرق الأوسط،على أهمية مشاركته "كمسلم وافريقي في إحياء ذكرى مأساة وقعت في أوروبا من قبل أوروبا". وقال السيد ساجد،في تصريح مماثل،إن مشاركته وزملاءه المغاربة عمداء مدن الرباط وفاس ومكناس،ترمز إلى قيم الدفء والتسامح والتبادل التي اتسم بها المغرب دائما. من جهتها،أكدت المديرة العامة لليونسكو إرينا بوكوفا،التي ترأس الوفد الدولي إلى جانب نائبة الأمين العام للأمم المتحدة وعمدة مدينة باريس،في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء،أن هذا اليوم كان "مليئا بالمشاعر والوعود بعدم تكرار ممارسات الإبادة الجماعية والكراهية". وعلاوة على عمداء مدن الدارالبيضاء ومكناس والرباط وفاس،وعدد من الشخصيات المغربية الأخرى،شارك في هذه الرحلة،على الخصوص مستشار صاحب الجلالة السيد أندريه أزولاي،والسفيرة الممثلة الدائمة للمغرب لدى اليونسكو السيدة عزيزة بناني،وسفير المغرب في بولونيا السيد موحا الوالي تاغما،ورئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج السيد إدريس اليزمي،ومدير المكتبة الوطنية للمملكة السيد إدريس خروز،وكذا العديد من المثقفين.