إقترنت دينامية النقد السينمائي دوما بحال السينما، فبعد مرحلة المخاض بعيد الاستقلال، والولادة التي كانت من رحم الأندية السينمائية، والنضج الذي تم في كنفها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، أضحى النقد اليوم شأنا مجتمعيا يتأكد في كل مناسبة سينمائية كما هو الحال في المهرجان الوطني بمدينة البوغاز. وقد شكل هذا النقد موضوع جلسات مع مجموعة من النقاد المغاربة المشاركين في فعاليات الدورة ال12 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، المتواصلة إلى غاية 29 يناير الجاري، والتي أجمعوا فيها على أن النقد ما هو إلا محاولة، بأسئلته العميقة، لإعادة صياغة ما يشاهده الناقد في إطار رؤية منهجية مركبة تروم الإمساك بالعناصر المشكلة للصناعة السينمائية، وجعلها ترقى إلى مستوى السينما العالمية. وأسر رئيس جمعية نقاد السينما بالمغرب خليل الدامون لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن النقد السينمائي كان دائما المحرك الأساسي للثقافة السينمائية في المغرب، مبرزا أن النقد كان يطالب بضرورة وجود صناعة سينمائية وطنية بعد الاستقلال ، وأن النقاد، رغم قلة عددهم حينها، كانوا من بين المهيكلين للفن السابع المغربي في زمن كانت الفرجة الأمريكية والأوروبية والمصرية والهندية هي المهيمنة. وعن أسئلة من قبيل ماهية الفن السابع المغربي، يضيف الدامون، تمخض نقاش حول التوجهات التي يجب أن يسير عليها الإنتاج السينمائي، فظهرت كتابات نقدية ببعض الصحف والمجلات ك(لافيجي) و(المغرب ناسيون) و(لاماليف) تتبنى هذا الطرح، إلى جانب تحليلات لبعض النقاد لأعمال سينمائية كانت تعرض في إطار الأندية السينمائية التي كانت نشيطة حينها. كل النقاد الذين يحركون اليوم الجدل حول الفن السابع، يقول رئيس جمعية نقاد السينما بالمغرب، اانبثقوا من رحم الأندية السينمائية، قبل أن يتولوا الإشراف على عدد من البرامج الإذاعية والتلفزية والصفحات والأعمدة السينمائية في كثير من المنابر الإعلامية، ومن بينهم نور الدين الصايل ومحمد الدهان وحمادي كيروم وعبد الجليل البويري وإبراهيم حسناوي ومصطفى حسناوي ومولاي إدريس الجعيدي. وخلص الدامون إلى أن النقد السينمائي بالمغرب دخل مرحلة التأطير مع ميلاد جمعية نقاد السينما بالمغرب التي أضحت فضاء للمشتغلين على تيمات الشاشة الفضية، فتطورت الكتابة السينمائية وتنوعت مقاربة متونها وقضايها وتقنياتها، وتجسد ذلك في المؤلفات والمقالات التي تنشر على صفحات الجرائد حول الموضوع، وفي الجدل الذي يدور على هامش المهرجانات واللقاءات السينمائية وينشطها النقاد بالأساس. أما الشاعر والكاتب ياسين عدنان فيرى أن النقد السينمائي كان في زمن سابق متقدما رغم قلة الأفلام ، والتي قد تكون وفق معايير الحاضر بسيطة، إلا أنها كانت تمنح حالة من الإشباع النقدي، وذلك من مختلف الزوايا والمرجعيات النقدية، مما منح ثراء خاصا ومتميزا في النقد السينمائي بالمغرب. في المقابل، يضيف ، فإن ما يلاحظ هو تقلص في المساحة التي ينشط فيه هذا النقد بحيث أن الصحافة الوطنية التي كانت تخصص، في وقت من الاوقات، صفحات كاملة للنقد السينمائي وللقراءات في الأفلام السينمائية المغربية والأجنبية، لم تعد توفر هذا الفضاء للنقاد ، مما دفع ببعضهم إلى التراجع عن الممارسة، وبالبعض الآخر إلى ارتداء قبعة الصحفي وممارسة كتابة تتسم، في الغلب، بالخفة. والأكيد، حسب كثيرين ممن يساهمون في النقاش المفتوح في إطار ندوات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة أو اللقاءات التي تقام على هامشه، أن المشهد السينمائي المغربي يعيش دينامية على مستوى انتاج الأفلام أو المعاهد التي تكون مجموعة من الآكاديميين الذين يدرسون ويمارسون السينما كل من مجال اختصاصه، لكن في المقابل أضحى النقاد بالتدريج على الهامش. وشددوا على ضرورة البحث عن الطريقة التي يمكن بها استعادة النقاد لحركيتهم ،على اعتبار أن النقد كمكسب تحقق في إطار الأندية السينمائية وأفرزته دينامية العمل الجمعوي الوطني ينبغي عدم التفريط فيه، دون إغفال لأهمية عمل المنابر الإعلامية على توفير فضاء خاص بالسينما، قد تكون على شكل مجلة سينمائية حقيقية تعيد لم شمل النقاد وتعيد الاعتبار للمقاربة النقدية للفن السابع. هذا لايعني غياب نقاشات حول واقع السينما في المغرب، أو التحليل النقدي للأعمال التي تنتج سنويا، فالجدل الذي يثار بعد العروض التي تقدم في المهرجانات ميزة يتفرد بها المغرب، وما يميزها أكثر حضور نجوم الفن السابع إلى جانب النقاد والمهتمين وعشاق الفرجة السينمائية، وتحولها في أحايين عدة إلى نقاش قضايا قد تهم الهوية والانتماء وغيرها من خلال الفعل السينمائي.