السينما وإشكالية المواكبة النقدية المتخصصة تقاطع نخبة من النقاد عند حتمية تثمين النوادي السينمائية المغاربية العريقة، ورأوا في هذه النوادي فضاءات دينامية من شأنها خلق حراك مكثف يمهّد لقيام منظومة سينمائية عربية جديدة ومغايرة تمتد تموجهاتها لتنعكس إيجابا على سيرورة صناعة الفن السابع في الوطن العربي. في منتدى فكري حول «سبل النهوض بالنقد السينمائي العربي»، ذهب «خليل الدامون» رئيس جمعية نقاد السينما بالمغرب، إلى الدور الفارق الذي ظلت تلعبه النوادي السينمائية المغاربية على مدار العشريات الثلاث المنقضية، وتكريسها تقاليد خاصة في صورة النقد الشفوي الذي ظلّ علامة بارزة لعصاميي الأندية السينمائية منذ سبعينات وثمانينيات القرن الماضي. وفيما لاحظ الدامون أنّ الانتقال من النقد الشفوي إلى المكتوب استغرق فترة طويلة في مسار هذه النوادي السينمائية، أورد محرز القروي رئيس الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي، أنّ بلاده احتضنت نوادي سينمائية مميّزة جعلت النقد حاضرا بقوة من خلال ما فعله الراحل «الطاهر شريعة» وكوكبة من مُجايليه. وفي تناوله لمنجزات تلك النوادي، أفاد القروي أنّ كل نادي سينمائي كان يصدر نشرية خاصة به، فضلا عن مجالس النقاش الدورية التي حافظ عليها بشكل دائم، بيد أنّ القروي أقرّ أنّ تونس تشهد حاليا إصدار عديد المطبوعات السينمائية، لكنها تظل تفتقد للفعالية في ظلّ غياب سوق والافتقار لثقافة سينمائية تنسج على منوال ما فعلته نوادي السينما. كما لفت «رمضان سليم» الناقد الأدبي والسينمائي الليبي، إلى حساسية استعادة زمن النوادي السينمائية وعصرنتها مع متغيرات الفن السابع، محيلا إلى تأثيرات النوادي المذكورة في الفعل السينمائي بليبيا منذ خمسينيات القرن الماضي، مرورا بتأسيس الشركة العامة للسينما في ليبيا سنة 1973، في أعقاب فشل إطلاق فضاء سينمائي مشترك بين ليبيا، سوريا ومصر، ليتراجع الوضع في السنوات الأخيرة إلى مستوى عدم اشتغال غالبية قاعات السينما وبقاء النزر القليل منها. نبيل حاجي: تشجيع سينما مختلفة باستخدام الوسائط الجديدة حث الناقد السينمائي الجزائري «نبيل حاجي» على تشجيع سينما مختلفة تنبني على البحث وتفكيك الشفرات، وهو ما أيّده خليل الدامون الذي ركّز على أهمية الخروج من التقوقع، والتفكير في فضاء سينمائي يجمع النقاد العرب، بعد فشل محاولة تأسيس اتحاد دولي للنقاد العرب مثلما دعا إليه صلاح السرميني ونادر علوان وغيرهما، في ظل تواجد ثلاث جمعيات سينمائية فقط في الوطن العربي بأسره، ما ينبغي جمع الشتات والارتفاع بالجهود المتفرقة. من جانبه، قدّر القروي على جعل الثقافة السينمائية أكثر تداولا، وعدم حصر النقاش في السينمات العربية في ماهية الناقد ومن يحق له النقد، وهو ما يستدعي بحسب حاجي تفعيل الجهود النقدية والتواصل بشكل أكبر. ولاحظ كل من القروي ورمضان سليم، أنّ هناك أمية في قراءة الصورة بشكل عام في الوطن العربي وهنا لب دور النقاد من خلال نهوضهم بتأسيس خطاب نقدي سينمائي قائم على آليات قادرة على التوغل إلى أعماق أي نتاج سينمائي. وذكر القروي أنّه على كثرة المدونات في زمن النت وانقراض المطبوعات الورقية وصعود المدونات والفضاءات الاجتماعية التي تمكّن الهواة من ممارسة النقد السينمائي، إلاّ أنّه ليس هناك موقع الكتروني خاص بالسينما العربية يقارب مشكلاتها ورهاناتها. وانطلاقا من كون صُنّاع الأفلام صاروا لا يحتاجون إلى نقد من أجل ترويج أعمالهم، تبعا لتطور وسائل الاتصال وتنوعها، ارتضى الدامون والقروي ورمضان سليم أنّ مَوقعة السؤال تقوم رأسا على أي نقد سينمائي يفرض نفسه اليوم، وأي سينما عربية نريدها اليوم؟، واعتبروا أنّ الأفلام تحتاج إلى إعادة قراءة والنقاد لم يقوموا بدور جيد على صعيد نقد الأفلام العربية وتوجيه الجمهور مثلما يفعله نظرائهم في أوروبا. بهذا الشأن، رأى الدامون أنّ هناك «سينماءات» عربية اليوم وليس سينما عربية، فيما سجّل القروي أنّه في تونس جرى تأسيس جمعية للنهوض بالنقد السينمائي وليس جمعية للنقاد في ظل غياب تراكمات، مستطردا أنّ الإشكالية الكبرى ليست في كينونة الناقد ومن يمكنه ممارسة النقد، بل المشكلة كامنة في كون النقد مسألة جدية تتطلب التحلي بالجدية والثقافة اللازمة، تماما مثل متطلبات منظومة سينمائية متكاملة، متسائلا كيف يمكن نقد فيلم لا يُرى احتكاما إلى محدودية القاعات وعدم وجود قاعات بالقدر الكافي تتيح فرصة إيصال الأعمال إلى عشاق الفن السابع العربي. بالمقابل، ربط رمضان سليم مسلكية النقد بالإعلام المتخصص، مشيدا بالصحف والمجلات المهاجرة في أوروبا التي أنتجت بحسبه نقدا سينمائيا مختلفا، في حين انتقد طغيان الجانب الخبري على المقاربة الإعلامية الحالية للأفلام العربية، ونمطية المسايرة على حد تعبيره، في ظل قلة المجلات المتخصصة والكتب النقدية المساعدة على تخصيب النقد. صفاء الليثي: أسئلة السينما السائدة إلى ذلك، جزم «علي العقباني» الناقد السينمائي السوري، بأنّه لا يمكن تحميل النقاد مسؤولية تردي مستوى الأفلام وانجرافها وراء (كليشيهات) جاهزة، وذكر العقباني أنّ النقد السينمائي له خصوصيته وطعمه، فهو كتابة من طراز خاص ومشاهدة مختلفة تتعامل مع العمل الفني فحسب. وانتقد العقباني تهميش النقد السينمائي في الصحف الحكومية والخاصة وربطه بعدم اندراج النقد ضمن خانة اللعبة التي تجلب المال والدعاية، ما جعل الكتابة الانطباعية المفتقدة للتخصص تتحول إلى زاوية متعملقة، خلافا للمدونات والمواقع الالكترونية التي وسمها ب»الإيجابية» برغم ما يشوبها من شخصانية وسوالب، ويمكنها أن تنتج أسماء تقدم إضافات نوعية. في سياق متصل، قدّرت «صفاء الليثي» السينمائية والناقدة المصرية، أنّ السينما السائدة في بلادها مخالفة للواقع الحالي، معلّقة:»لو ننتج 49 فيلما فإنّ خمسة منها فقط تعكس سينما سائدة». وبجانب إشادتها بإسهام «رفيق الصبان» في دفع النقد التذوقي، تساءلت الليثي إن كانت أفلام «خيري بشارة»، «يسري نصر الله» و»داوود السيد» سينما سائدة حقيقية، بينما رأى «خليل الدامون» أنّ هؤلاء يغردون خارج سرب السينما المصرية، مشيرا إلى إمكانية نجاح فيلم جماهيريا وتحقيقه إيرادات عالية، لكن لا يحظى باستحسان نقدي.