عرفت العلاقات المغربية البريطانية خلال سنة 2009 دينامية ملحوظة تؤشر إلى إرادة البلدين ورغبتهما في الرفع من مستوى التعاون القائم بينهما، إلى شراكة استراتيجية تعود بالنفع على الطرفين. وتستند هذه الإرادة إلى العلاقات السياسية الممتازة التي تجمع بين البلدين والتي شكلت، منذ سنة 2006، موضوع مباحثات منتظمة بفضل إحداث منتدى للحوار الوزاري. ومثلت الدورة الأخيرة لهذا المنتدى، التي انعقدت بلندن في يونيو الماضي، فرصة للمغرب والمملكة المتحدة للتشديد على عزمهما تقوية شراكتهما الاستراتيجية في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية. وصرح وزير الشؤون الخارجية والتعاون السيد الطيب الفاسي الفهري، الذي ترأس الوفد المغربي خلال هذا اللقاء، بأن هذه الدورة "مكنت من التوصل إلى قرارات ملموسة من أجل المستقبل بهدف تقوية علاقاتنا وتنويع مبادلاتنا الاقتصادية وتنمية حوارنا السياسي". وخلال هذا اللقاء، أعربت كل من الرباطولندن عن التزامهما بالعمل سويا من أجل تقوية السلام والاستقرار والأمن بمنطقة البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا والشرق الأوسط. + حملة مغربية لاستمالة الأوساط المالية اللندنية + خلال سنة 2009، انتقل المغرب إلى السرعة القصوى لتكريس صورة البلد الذي ظل، في أجندة الفاعلين البريطانيين، بلدا منفتحا على عالم الأعمال اعتبارا للخطوات الهامة التي قطعتها المملكة على طريق التنمية في مختلف المجالات، ودشن بذلك حملة لاستمالة المستثمرين وإقناعهم بما تقدمه البلاد من فرص كبرى في العديد من القطاعات. وفي هذا السياق، شهد حي المال والأعمال الشهير "سيتي" بالعاصمة لندن، تنظيم أول ندوة حول فرص الاستثمار بالمغرب، خلال شهر نونبر الماضي، وهو الملتقى الذي مكن، بفضل عمل طويل من التواصل، من تقديم فكرة واضحة لحوالي 400 شخصية من عالم السياسة والأعمال من مختلف المشارب، حول ما حققته المملكة من منجزات، وما تقترحه من فرص للاستثمار. وهكذا تمكن الحاضرون، من خلال مداخلات أعضاء الوفد الوزاري الهام، من متابعة عروض تهم برنامج الإصلاحات الذي دشنه المغرب وما تقدمه المملكة لرجال الأعمال من فرص كبرى. كما قام أعضاء الوفد الوزاري بعملية تشبيك حقيقية من خلال تفاعلهم مع أسئلة الفاعلين الاقتصاديين، الراغبين في المزيد من المعلومات حول ما يقدمه المغرب من فرص للاستثمار. والحال أن العديد من المسؤولين والفاعلين الاقتصاديين البريطانيين، اعتبروا أن ندوة لندن قدمت نموذجا للمبادرات الضرورية من أجل إعطاء الدفعة اللازمة للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، مؤكدين على ضرورة رفع مستوى الشراكة الاقتصادية إلى مصاف مستوى العلاقات السياسية والديبلوماسية التي جمعت على الدوام بين المغرب وبريطانيا. ولعل هذا ما عبر عنه اللورد دايفيس أوف أبيرسوش، كاتب الدولة المكلف بالصناعة والتجارة والمقاولات الصغرى، حين صرح أمام الندوة المذكورة بقوله إن المقاولات البريطانية ترغب في الارتباط، ضمن شراكة مع المغرب، في قطاعات أساسية مثل الخدمات المالية والتعليم والطاقات المتجددة والبنيات التحتية. + الفلاحة والسياحة تستأثران بالاهتمام + والحال أن قطاعي الفلاحة والسياحة قد استأثرا باهتمام خاص لدى الطرف البريطاني بمناسبة المشاركة المتميزة للمغرب في "المعرض العالمي للفواكه والخضراوات" و"المعرض العالمي للسياحة" بالعاصمة لندن. واستعرض السيد عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري خلال منتدى أقيم على هامش "المعرض العالمي للفواكه والخضروات"، الدينامية التي يشهدها القطاع الفلاحي الوطني، مشددا على تواجد المغرب، الذي يتوفر على اقتصادية نامية وقوية، ضمن منطقة ذات مؤهلات كبرى من حيث نسبة النمو. وبعدما ذكر بسياسة الشراكة التي ينهجها المغرب مع شركائه ضمن مقاربة الربح المتبادل لجميع الأطراف، أشاد الوزير بالدينامية التي تشهدها العلاقات الاقتصادية بين المغرب والمملكة المتحدة، معتبرا أن بريطانيا تمثل سوقا "مهما جدا" للمنتوجات المغربية، دون أن يغفل دعوة الفاعلين البريطانيين إلى استثمار ما يقدمه القطاع الفلاحي الوطني من فرص كبرى للاستثمار. ولم يكن القطاع السياحي المغربي ليتخلف عن المشاركة في المعرض العالمي للسياحة الذي احتضنته العاصمة البريطانية، بحيث استعرض الوفد المغربي، برئاسة السيد محمد بوسعيد وزير السياحة والصناعة التقليدية، خلال هذا الملتقى مكامن القوة التي أمنت للقطاع السياحي الوطني أسباب نموه المضطرد، رغم ما لحق بعالم السياحة والأسفار من أضرار، جراء الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية. وبهذا الخصوص، أوضح الوزير أن رؤية 2010، التي شكلت "خارطة طريق حقيقية لطموحها وقدرتها على التعبئة"، مكنت القطاع السياحي المغربي من أسباب المناعة والمقاومة التي تستند إلى أسس سليمة وأهداف مضبوطة. وفي سياق متصل، شهد التعاون المغربي البريطاني في القطاع الثقافي، اهتماما ملموسا في بحر سنة 2009 من خلال التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية تهم الانتاج السينمائي المشترك. وتروم هذه الاتفاقية، التي وقعها السيدان خالد الناصري وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة وسايون سايمون وزير الصناعات الإبداعية، تقديم مجموعة مهمة من التسهيلات والإجراءات التحفيزية لمنتجي البلدين، لاسيما في ما يرتبط بالمجالات الضريبية والمالية والدعم اللوجيستي والمادي. والخلاصة أن ما شهدته سنة 2009 من إجراءات، لا يمكنها سوى أن تعطي ماهو مؤمل منها من دفعة إضافية للعلاقات القائمة بين البلدين، تلك الدفعة الإيجابية التي ستستمر، لامحالة، خلال السنة المقبلة في أفق تكريس طموح كل من لندنوالرباط إلى الرفع من مستوى شراكتهما نحو الأفضل.