يتموقع المغرب كشريك نشيط ولا محيد عنه في التعاون مع البلدان الإفريقية، وفاعل تحذوه إرادة تقوية قيم التضامن والتعاون، لإنجاح تحقيق أهداف الألفية للتنمية على مستوى القارة، وهو بذلك وفي لجذوره الراسخة في العمق الإفريقي. وجعل المغرب من التعاون مع إفريقيا خيارا استراتيجيا، وعمل باستمرار على تقوية علاقاته السياسية وإقامة شراكات متنوعة ومثمرة مع البلدان الإفريقية، تماشيا مع روابط وأواصر متينة، نسجها على مر السنين، مع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
ويكتسي هذا التعاون طابعا متعدد الأبعاد، ويركز على مجالات متنوعة منها السياسية والاقتصادية والتجارية وكذلك الاجتماعية والثقافية، كما يستهدف مجال القرب، متوخيا تقديم حلول ملموسة يستفيد منها السكان في معيشهم اليومي، وهو المجال الذي أصبح يمثل عنصرا هاما في علاقات التعاون المغربية الإفريقية.
فعلى المستوى السياسي، يتعزز التعاون بين المغرب وإفريقيا من خلال الحضور الديبلوماسي النشيط للمملكة، سواء من خلال العمل اليومي لممثلياتها الديبلوماسية (24 في إفريقيا)، أو المبادرات الرائدة التي يقدم عليها المغرب لتسوية النزاعات في القارة.
ولعل أبرز تلك المبادرات ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2002 لمهمة وساطة لتسوية الخلاف في حوض مانو بين كل من غينيا وليبيريا وسيراليون، وهو الخلاف الذي كان ينذر باشتعال فتيل أزمة خطيرة تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.
وينخرط المغرب بكل حماس في تعزيز والحفاظ على السلم في إفريقيا، إذ شارك بحماس في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الصومال في تسعينيات القرن الماضي، ثم لاحقا في الكونغو الديموقراطية والكوت ديفوار.
ووعيا منه بالمكانة الهامة للتعاون جنوب جنوب في تحقيق تنمية البلدان الفقيرة والأقل نموا خصوصا، من خلال نقل الخبرات والتجارب، اعتمدت المملكة مقاربة مبتكرة تهدف الى تحسين فعالية وجدوى الدعم المقدم للدول الإفريقية.
ويترجم هذا الخيار الإرادي الذي ينهجه المغرب، بزيارات الصداقة والتعاون المتعددة التي يحرص جلالة الملك محمد السادس على القيام بها للدول الإفريقية، والتي تعطي كل مرة معنى ملموسا لفلسفة التعاون المغربي الإفريقي، وتكون خير تعبير على إرادة المغرب الصادقة، وعزمه الأكيد على إقامة تعاون متين ومتنوع وصادق مع البلدان الإفريقية.
فقد مثلت الزيارات الملكية للقارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة، أساسا للتشاور وإبرام اتفاقيات اقتصادية وتجارية، فتحت آفاقا رحبة أمام التعاون المثمر والمبتكر، الذي يمكن رجال الأعمال والمؤسسات الصناعية المغربية من الاستثمار وإقامة شراكات حيوية بالنسبة للمغرب وشركائه الأفارقة.
وعلى المستوى الاقتصادي، يتجلى الاهتمام الذي يوليه المغرب للبلدان الإفريقية بالملموس، من خلال اعتماده استراتيجية هامة لدعم تنمية البلدان الأقل نموا في القارة، ولعل أبرز مثال على ذلك هو إقدام المغرب خلال مؤتمر القاهرة الأوربي الإفريقي لعام 2000، على إلغاء مديونية بعض الدول الإفريقية الأقل نموا، وأيضا قرار الإعفاء الكامل من الرسوم الجمركية لمنتوجات تلك البلدان المصدرة الى السوق المغربي.
وقد مثل التعاون الاقتصادي والتجاري على الدوام حجر الزاوية في استراتيجية المغرب تجاه إفريقيا جنوب الصحراء، ومنذ ستينيات القرن الماضي، أي غداة استقلال الكثير من الدول الإفريقية، أبرم المغرب اتفاقيات ثنائية للتعاون مع البلدان الإفريقية، وحرص على إقامة إطار قانوني وتنظيمي لهذا التعاون سواء من خلال اللجن التقنية والمشتركة وغيرها من الآليات.
ومكن هذا العمل من تطوير علاقات الشراكة بين المغرب والعديد من البلدان الإفريقية، وهي العلاقات التي عرفت بالخصوص خلال الزيارات الملكية لإفريقيا إشراك القطاع الخاص المغربي بشكل أكبر، ليساهم بدوره في تطوير القدرات الإفريقية، ما جعل من عدد من البلدان مناطق استقطاب هامة للاستثمارات المغربية.
ومن جهة أخرى قام المغرب بالكثير من المبادرات من أجل تطوير وإنعاش العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الشركاء الافارقة، من خلال المشاركة في المعارض الدولية وإنجاز دراسات لبعض الأسواق الإفريقية، وتقديم خبرائه وخبرته في مجالات معينة مثل الزراعة والماء والكهرباء والموانئ، علاوة على إيفاد أطر تقنية أو طبيبة وتربوية.
فقد وضع المغرب رهن إشارة عدد من البلدان تقنياته في مجال الاستمطار الاصطناعي للحد من الجفاف في بعض الدول، وضمان الأمن الغذائي.
كما استجاب لنداءات إرسال خبرائه للعديد من الدول الإفريقية من أجل تحديد الحاجيات في مجال الدعم التقني والموجه للتنمية الزراعية.
وفي السياق نفسه عمل المغرب على تطوير تعاون ثلاثي الأبعاد بينه والبلدان الإفريقية والدول المانحة، موجه بالخصوص لتطوير القدرات الزراعية في افريقيا، ولعل واحدة من أبرز هذه البرامج هو الجاري تنفيذه بين المغرب واليابان، والذي يستهدف تأهيل وتدريب الأطر والتقنيين الأفارقة، خصوصا في مجال الصيد البحري والزراعة.
وعلى مستوى التعاون الجامعي، ضاعف المغرب في خمس سنوات من أعداد الطلبة الأجانب الذين يستقبلهم، إذ يستفيد حاليا 7500 طالب من منح مغربية للتعليم الجامعي، من بينهم 68 في المائة طلبة قادمون من 40 دولة افريقية.
وسيعرف التعاون المغربي الإفريقي مزيدا من التطور والازدهار مستقبلا، انسجاما مع قناعات المغرب وقيمه، وأيضا من المسار الذي اختطه كدولة ديمقراطية حداثية ومتضامنة وماضية بعزم وإصرار في طريق المستقبل.
ويمكن الجزم بأن الخيار الإفريقي للمغرب أمر لا محيد عنه، فالمملكة ستظل تولي اهتماما منقطع النظير لتطوير علاقاتها بالدول الإفريقية، وبالخصوص بلدان جنوب الصحراء، ذلك أن المستقبل السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني للمغرب، يظل رهينا ومرتبطا بشكل وثيق بالقارة الإفريقية، التي تمثل العمق الاستراتيجي الطبيعي للمغرب.