(بقلم : سعيد الرفاعي) اشتعل الرأس شيبا، واللحية كذلك، وما زال الفنان اللبناني سامي حواط بقامته الأقرب للقصر، وقبعته الغيفارية، بسيطا، وديعا، يذكر بالشيخ إمام عيسى من مصر: السخرية ذاتها من الواقع المرير، والتجاوب ذاته مع الجمهور، والمعانقة ذاتها لآلة العود، فكأنهما صارا جسدا واحدا لا مجال للتفريق بينهما. وأتاحت له الجلسة الحميمية في مسرح بابل، ببيروت أول أمس السبت، التفاعل مع جمهوره بالتعليق على ردود أفعاله والتجاوب مع رغباته. فغنى سامي حواط للفقراء وللفوارق الطبقية وللرأي العام وللحب المستحيل، وكذا للمشاكل التي تؤرق المجتمع اللبناني من قبيل انقطاع الماء والكهرباء وغلاء الفواتير. كأنما يمد لسانه الصغير في وجه العالم الكبير، عالم الجشع والطمع والتزمت، يتلاعب بالألفاظ (عايش من قلة الموت)، و(لا تسألني عن ديني، أنا مديون..) في دعوته إلى التسامي على الانغلاق الديني وربط العقيدة بالصراع الطبقي، ويستهزيء بالمستغلين بترداد صفير ساخر - على شاكلة الشيخ إمام أيضا - ( حلوة دي .. حلوة دي..) قبل أن يحدث انزياح في تعبيره بشكل غير منتظر فيكمل، ومعه الكورس الغنائي، (راحت تعجن في الفجرية). وكما فعل أحمد فؤاد نجم، غنى سامي حواط من شعر بيرم التونسي أغنيتي (العامل) و(أهل المغنى)، وغنى أيضا من شعر عبيدو باشا (بيروت الكبرى)، و(تنين)، ومن شعر محمد العبد الله (أحد الإخوان)، ومن شعر خالد الشرتوني (كيف أنسى) ، و(لارا) لغسان مطر. ورفقة كورال يتشكل من اللبنانية - الأوكرانية جوليا ساموني (صولو)، والشقيقتان ريا وفدا مراد، أنشد أغان اشتغل عليها وجدانه وأبدعتها أنامله قبل عقدين من الزمن ونيف. حين كان شعر الرأس واللحية سوداوان. و"كان القلب وحده أبيض ، وما زال" يقول سامي حواط. عاد سامي حواط بعد صيام عن التواصل مع جمهوره بلبنان استمر لأزيد من سنتين تخللته جولة فنية بإسبانيا، واعتكاف طويل رفقة زوجته وفاء غريب عازفة القانون في فرقته في قريته (زبدين) على بعد ساعة من بيروت. عاد، قلقا متوترا كما يليق بفنان حقيقي، لكنه على استعداد لتقديم عمل مؤجل كتب نصوصه أطفال في المخيمات الفلسطينية بضواحي بيروت عن معاناتهم اليومية، فأعيدت صياغة هذه النصوص ولحنها سامي حواط ليقدمها لهم وأمامهم. واستهل سامي سمره الفني الشائق، وهوالثاني في ظرف يومين، بأداء (سوق الخياطين) حيث تخاط مصائر العباد، وغنى (بها اليومين) مستحضرا مشاكل البسطاء هذه الأيام، وغنى من شعر جورج يمين (حضرتنا من الرأي العام) وكذا (كيف أنسى)، و(طلع الضو)، و(هالحكي شغل بالي)، و(شو هالأيام اللي وصلنا إلها)، و(ازرعوا أيديكم في الريح)، و(طلي احكيلو يا صبية)، و(ع الروزانا.. ع الروزانا)، قبل أن يختتم نزولا عند رغبة الجمهور ب(أنا مش كافر .. بس الفقر كافر). بدأ سامي حواط، الذي درس بالمعهد الموسيقي الوطني، سيرته الفنية عام 1974 مع صديقه الفنان زياد الرحباني إلى غاية 1985 حيث بدأ مرحلة الاستقلال بنفسه فأسس فرقة موسيقية يطلق عليها دائما إسم (المجموعة). شارك سامي حواط في مسرحيات (نزل السرور)، و(بالنسبة لبكرة شو)، و(فيلم أمريكي طويل)، و(شي فاشل)، وأنجز عملين موسيقيين هما (هدوء نسبي)، و(بها الشكل) مع زياد الرحباني، وأشرطة غنائية هي (أنا مش كافر) مع زياد الرحباني، و(كله تمام) و(بواب الفرح) مع مخول قاصوف، كما أنجز أشرطة غنائية خاصة هي (الرأي العام)، و(أنا الصحة)، و(نحن الأطفال)، و(في شي ماشي). أما (فرقة الرحالة)، التي عزفت إلى جانب سامي حواط ، فتضم كلا من وفاء البيطار على القانون، وطوني جدعون على الكمان، وأحمد الخطيب على الرق والإيقاع، والإخوة أبو كامل : رائد على الكلارينيت والناي، ورمزي على الغيتار وكيبورد، وفؤاد على الغيتار والباص. يشار إلى أنه بسهرة سامي حواط الاجتماعية الملتزمة اختتم برنامج (طرب وموسيقى رمضانية) الذي نظمه (نادي لكل الناس)، منذ 18 غشت المنصرم بمسرح بابل بالحمراء.