(بقلم : سعيد الرفاعي) فرقة أرادها شيوخ سلاطين الطرب استثناء ثقافيا جميلا في زمن العولمة، واختلاط الحابل بالنابل. أرادوها إحياء للطرب الموسيقي وحفاظا على الفن العربي الأصيل، وعلى الأناشيد التراثية والصوفية الصافية كما أرادها الحسين بن منصور الحلاج ومحيي الدين بن عربي ومولانا جلال الدين الرومي. بعد أن حلوا أخيرا ضيوفا على المغرب وعلى تونس، لم يقدم شيوخ سلاطين الطرب جديدا، في السهرة التي أحيوها الليلة الماضية بمسرح بابل ببيروت، لكنهم رجوا أرجاء المسرح الصغير بمواويل وموشحات وقدود حلبية تتوزع بين الغزلي والديني، وأداروا الرؤوس برقصات أداها الدراويش المولويون. لم يقدموا جديدا إذ تحرص الفرقة، على مدى السنوات السبع المنصرمة، على النهل من التراث الغنائي الحلبي واستحضار شيوخه، متأثرة في ذلك بالخصوص بالعالم الرحالة الشيخ علي الدرويش الحلبي (1884-1952)، ونديم الدرويش (1919-1983)، ومجدي العقيلي، والحاج بكري الكردي، كما تحرص على استعادة زمن الزوايا بسورية في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ولم يقدموا جديدا لأن الفرقة، التي يرأسها الفنان بشير أحمد بيج، تحرص على ألا تمس الجمل اللحنية الأساسية في التراث الحلبي القديم الذي أبدعه وطوره الفنانون عبد القادر حجار، والحاج عمر البطش، ومحمد خيري، وصبري مدلل، وصباح فخري، "صناجة الغناء العربي"، وتحرص على تقديم القديم غير المتداول بنسبة كبيرة ضمن ريبرتوارها الفني. وأدت الفرقة، الذي سبق أن شاركت بالمغرب في مهرجان الرباط الدولي 2005 ومهرجان وليلي الدولي 2005 وفي حفل خيري لجمعية روتاري 2007، ببراعة موشحات "يا زائري في الضحى"، و"ارجعي يا ألف ليلى"، و"إن التي قلبي المسلوب يهواها"، و"قدك المياس يا عمري"، و"يا مال الشام"، و"قل للمليحة"، و"فوق النخل". وتعاقب على الميكروفون الفردي كل من المنشدين الشباب عبود حلاق، وعامر خيري، وحسام لبناني، بجلابيبهم المخططة وأحزمتهم العريضة وطربيشهم الحمراء وأحذيتهم السوداء البراقة، ترافقهم آلات التخت الشرقي الذي يضم عازفي ناي وعود وقانون وتشيلو وطبلة ورق، فأبدعوا واستحقوا التصفيق والتشجيع على مدى أزيد من ساعتين. تتصاعد رائحة البخور. ويدخل الدراويش بأزيائهم الطويلة وقبعاتهم البنية المائلة. يحمل رئيس المجموعة الذي لا يختلف عن أفرادها إلا بلباسه الأسود مبخرة، ويطوف بها كأنما ليعطر المكان. يدخل طفل يرتدي زيا طويلا بألوان العلم السوري. يتعالى التصفيق قبل أن يبدأ ورفاقه رقصة الدوران بانخطاف صوفي أخاذ. يدور الطفل على نفسه مرات كثيرة قبل أن يخرج من داخل ثيابه علم لبنان. فيتعالى التصفيق والهتاف مرة أخرى. "مدد .. مدد يا رسول الله"، و"رمضان تجلى وابتسما"، و"إلهي لا تعذبني فإني مقر بما قد كان مني"، وأناشيد دينية وأشعار صوفية أخرى حلقت بالأرواح إلى الأعالي في هذه الأمسية الرمضانية الرائقة قبل أن يغادر القاعة جمهور نوعي أنيق، احتفى بالمسرح وبالفن الراقي وبالإبداع الجميل.