صدر مؤخرا لدار النشر للمركز الوطني للبحث العلمي مؤلف "نحو نموذج مغربي للجهوية" بالتعاون مع المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمة. وجاء نشر هذا الكتاب, كثمرة للمائدة المستديرة في المدرسة الوطنية للإدارة بستراسبورغ, والندوة التي نظمها مرصد الدراسات الجيوسياسية بالجمعية الوطنية الفرنسية في يونيو الماضي, وبإشراف الأساتذة, شارل سان بروت وأحمد بوعشيق وفريدريك روفيلوا. وأشار مديرو النشر في مقدمة هذا الكتاب (176 صفحة), إلى أن "المملكة المغربية, وبعد اتخاذها منذ خمس عشرة سنة الماضية لمبادرات جريئة على نحو متواصل في إصلاح شمل العديد من المجالات, قررت الانخراط تدريجيا في مسار الجهوية المتقدمة, كما أعلن عنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية". ويرى البروفيسور سانت بروت, وأحمد بوعشيق وفريدريك روفيلوا أن الأمر يتعلق بإعادة التفكير في العلاقة بين الدولة والاقليم بالنظر إلى متطلبات التنمية الشاملة المتعلقة ب710 ألف و850 كلم للبلد من طنجة ووجدة إلى الداخلة والكويرة. وأكدوا أنه "من الواضح أن الإصلاحات, التي تعتبر جزءا من الأوراش الطموحة الكبرى التي دشنها صاحب الجلالة, لا تنبع من رغبة في محاكاة النماذج الأجنبية, التي تظل, إلى حد ما مناسبة", مبرزين أن هذه المبادرات تعكس في المقام الأول ثقة المغرب في مضيه قدما في تعزيز وتمتين مؤسساته, وفي التوافق الاجتماعي والسياسي الذي يسمح بهذا التحول ويفرضه في الوقت نفسه. ولإنه يدرك مدى قوته وثباته في هذا التحول, يؤكد الباحثون, فإن المغرب يستطيع منح هذه الحريات, وبناء نموذج خاص به يستجيب لاحتياجاته وخصوصياته السياسية والثقافية والدينية القائمة على تاريخ موغل في القدم. كما لفت مديرو النشر الانتباه إلى أن هذه التحولات الجارية تجعل من المغرب استثناء في شمال أفريقيا, وعلى نطاق أوسع, على مستوى البلدان النامية. ويمكنه أيضا أن يشكل بدوره, في الأمد المنظور, نموذجا مناسبا لتلك البلدان وفق الطموح الذي أعلنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس. ويشكل هذا المؤلف الغني بالمعطيات التاريخية وتحاليل كبار فقهاء القانون مرجعا بالنسبة للباحثين والقراء الراغبين في استجلاء ملامح المشروع المغربي للجهوية المتقدمة. ويتضمن إسهامات ميشال دوكوف "اللامركزية والحريات, النموذج المغربي", وشارل سانت بروت "الدولة والإقليم في تاريخ المغرب" وعبد الكريم بيزا "الجهوية في المغرب" وفريدريك روفيلوا "الجهوية في المغرب, ونماذجها". كما يتضمن الكتاب مداخلات لكل من محمد بن يحيى :"الملك محمد السادس وفكرة الجهوية" وأحمد بوعشيق "الجهوية, نمط جديد في الحكامة الترابية, وعبد الحميد الوالي "أي نموذج للجهوية في المغرب", ومحمد الشرقاوي "الجهوية والتعاون", وهنري لويس فيدي "الجهوية والتنمية الاقتصادية". وبالنسبة للبروفيسور الفرنسي في القانون العام, فريدريك روفيلوا, فإن المغرب يطمح, من خلال نهج سياسة الجهوية المتقدمة, إلى أن يصبح نموذجا يحتدى في البلدان المماثلة, وكذا إبراز أن هذا الجهوية ليست حكرا على الدول الغنية, مضيفا أن ما يقترحه المغرب في هذا المجال يتمثل في تشكيل نموذج طلائعي في هذا الشأن. وحسب الأستاذ شارل سان بروت, فإن جوهر مشروع الجهوية المتقدمة يتمثل في تقليص التفاوتات بين المناطق وإرساء نظام تضامن تكفله الدولة. من جانبه, أكد الأستاذ عبد الحميد الوالي, الخبير الدولي في مجال الجهوية أن الحكم الذاتي الجهوي يسير في اتجاه أن يصبح ضرورة بالنسبة للدولة المضطرة بفعل العولمة, الى تقاسم بعض سلطاتها مع الجهات, مشيرا إلى أن الجهة في المقاربة المغربية, تعتبر أداة للحفاظ على الوحدة الوطنية, وهو ما يعد مكسبا تاريخيا فريدا قلما يتأتى مثله لدول الجنوب. وأجمع مختلف الخبراء, من خلال هذا الكتاب, على ضرورة أن يتبنى المغرب جهوية تكون على مقاسه وتأخذ بعين الاعتبار خصوصياته التاريخية.