12-2009 باشرت السلطات المحلية بإقليم مديونة، الواقع على المشارف الشرقية للدار البيضاء، عملية ترميم وتهيئة "قصبة مديونة" التي تعتبر أعرق رمز ثقافي واجتماعي بأحواز العاصمة الاقتصادية. وتشير الوثائق التي أعدها المجلس البلدي للإقليم إلى أن هذه القصبة، التي ستحول بعد عملية الترميم إلى قاعة عرض ونادي، شيدت من طرف القائد علي بن الحسن المديوني بإيعاز من السلطان مولاي إسماعيل (1672-1727) لاستقبال القوافل وجيوش المحلة التي كانت تتجول لجمع الضرائب من قبائل المنطقة ولتجمع جيوش قبائل اولاد زيان وزناتة ومديونة واولاد حريز. وقد خصص لعملية ترميم وإعادة تأهيل القصبة غلاف مالي بقيمة خمسة ملايين درهم تموله مديرية الجماعات المحلية بوزارة الداخلية في محاولة لإعادة الاعتبار لإحدى المآثر التي كان السلطان مولاي إسماعيل يشرفها بالإقامة فيها في بعض الأحيان، واتخذها ممثلو الحكم المركزي، من قياد وعدول وشيوخ، وممثلو الاحتلال الفرنسي فيما بعد مركزا لاستقرارهم بالمنطقة، باعتبار موقعها الاستراتيجي في عملية ضمان أمن آنفا (الدارالبيضاء حاليا). وحسب المهتمين بتاريخ المنطقة فإن قصبة مديونة احتضنت في بداية القرن الماضي أكبر تجمع لقبائل المنطقة إبان الهجمات الأولى للبوارج الفرنسية على ميناء الدارالبيضاء لتتعاهد فيما بينها على محاربة التوغل الفرنسي في المغرب حيث تعرض جزء كبير من القصبة إلى الدمار بسبب المعارك الضارية التي خاضتها المقاومة ضد المحتل. واشتهرت هذه المعلمة التاريخية، بالمقاومة الشرسة لقبيلة مديونة التي تميزت بشكل ملحوظ بمناهضتها للوجود الفرنسي، ولم تستسلم إلا بعد خضوع قبيلتي زناتة وواولاد زيان. وبعد تمكن المستعمر من الدخول إلى المنطقة اتخذ من القصبة مركزا للسيطرة على المنطقة الفاصلة بين نهري بورقراق وأم الربيع حيث احتضنت اجتماعات عقدها عدد من الجنرالات من بينهم ليوطي وأماد حول إعادة نشر القياد بمنطقة الشاوية ثم حولها المستعمر الفرنسي سنة 1942 إلى مدرسة عسكرية لتكوين الضباط وقادة الجيش الفرنسيين، وصنفها المؤرخون كأهم مؤسسة فرنسية لتكوين الضباط خلال الحرب العالمية الثانية من حيث عدد الطلاب. وأعرب ممثلو المجتمع المدني بإقليم مديونة، الذي تم انشاؤه سنة 2003 على مساحة تبلغ حوالي كيلومترين ونصف ويضم 225 منطقة قروية، عن ارتياحهم لمبادرة ترميم وإعادة تهيئة القصبة التي أولاها المستعمر الفرنسي أهمية استراتيجية قصوى لفرض سيطرتها على منطقة الشاوية، واعتبارها منطقة مؤونة لقوافلها وجيوشها المرتكزة بميناء الدارالبيضاء.