بقلم: حسن هرماس -استفاق سكان مدينة ورزازات أول أمس الثلاثاء ليجدوا بعض قمم الجبال المحيطة بمدينتهم، وقد جادت عليها السماء ببعض الرذاذ من الثلج، معتبرين ذلك نوعا من البشرى بمقدم عام ماطر، من شأنه أن ينفخ الروح في الزرع والضرع، كما كان عليه الحال خلال السنة الفارطة. فعلى إثر رياح عاتية استمرت طيلة يوم الإثنين الماضي، سادت موجة من البرد، اضطر معها جل الأشخاص الذين قادتهم الأقدار للخروج إلى الشارع لقضاء مآربهم المختلفة، إلى ارتداء الجلاليب التي تعد في هذه المنطقة من الجنوب الشرقي للمملكة، درعا واقيا من لسعات البرد، الذي يتحول في بعض الأحيان إلى ما يشبه الصقيع، الذي تئن من لسعاته الأوصال البشرية. ولم تنحصر الفرحة التي خلفها منظر الثلوج التي غطت بعض قمم الجبل، الذي ينعت باسم"إغيل مون" بين السكان المحليين، بل شوهد بعض السياح الأجانب المعتادين على ممارسة رياضة المشي مع الاستمتاع بنسيم الصباح العليل، وهم مشدودين إلى منظر الثلوج الفاتن، الذي ألقى ببهائه على قمة هذا الجبل، التي لبست حلة بيضاء ناصعة. ومما زاد في بهاء هذا المنظر الجميل، أن السحابة التي غطت سماء مدينة ورزازات على امتداد يومين، انقشعت لتحل مكانها أشعة شمس دافئة، يخيل معها للمرء أنه في لحظات من أيام الربيع الزاهية، وليس على بعد أيام معدودة من مقدم فصل الشتاء. وتتحدث فئات عريضة من الساكنة المحلية بورزازات، بنوع من الانتشاء والعشق الروحاني عن الثلوج التي تتساقط فوق جبال تتراءى قممها من أي مكان وسط أحياء المدينة. البعض يعتبر هذا المنظر الطبيعي مؤشرا على الخصب والحياة، وهذا ما ينطبق على الأشخاص المنحدرين من أسر فلاحية، أو الأفراد الذين يخالطون بعض الأوساط التي تتعاطى للنشاط الزراعي. والبعض الآخر يكتفي بالتعليق على هذا المنظر الطبيعي بكون بحيرة سد المنصور الذهبي المحاذية للمجال الحضري لورزازات، ستمتلئ عن آخرها، وستنتعش الفرشة المائية الباطنية، كما ستسري الحياة في مجاري الأنهار المتعددة التي تخترق المجال الترابي المحيط بورزازات. وهناك فئة ثالثة تتحدث عن منظر الثلوج فوق قمم جبال ورزازات، بكونها هبة من السماء تثري المؤهلات السياحية التي تتوفر عليها هذه المدينة، خاصة في مثل هذا الوقت من السنة، حيث تتدفق أعداد كبيرة من السياح الأجانب على المدينة للاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة. قد يقول قائل أن منظر الثلوج الذي يبدو مبهرا في مدينة ورزازات، اعتاد عليه السياح الأجانب الوافدين على هذه المدينة من بلدان الشمال، إلا أن ثلوج النصف الشمالي من الكرة الأرضية تغيب عنها أشعة الشمس، أو تكاد تنعدم أثناء فترة تساقطها، والعكس بالنسبة لورزازات، حيث أن تساقط الثلوج في منطقة ورزازات تتم بالتناوب مع بزوغ أشعة الشمس، التي تستكين لها الأجساد البشرية في مثل هذا الوقت من السنة، وذلك في ما يشبه نوعا من "التواطئ" الذي تتناغم فيه برودة فصل الشتاء، مع دفئ فصل الربيع، وهو منتهى الحكمة الربانية في تبادل الأدوار بين مكونات الطبيعة.