ها هو شهر أكتوبر يجمع آخر ما تبقى من غبار أيامه الجافة وأمراض الأنفلوانزا المنتشرة فيه، تاركا السماء عارية فوق البلاد.. فلا مطر هطل فيه هذا العام، مما يؤشر ( ربما من الآن!! ) على سنة « جفاف » مقلقة بالنسبة للفلاحين المغاربة.. وسبب القلق آت من المقارنة مع ما كان عليه الحال، خلال السنوات الثلاث الأخيرة. لقد كانت العادة، ألا يسقط المطر كثيرا في شهر شتنبر، وأن أول الغيث الذي يسمح بتقليب الأرض من قبل الفلاحين ( وشحذ الخواطر للدخول بجد في موسم فلاحي جديد )، يأتي في شهر أكتوبر، حيث سجلت أرقام قياسية خلال السنوات الثلاث الماضية، خاصة موسم 2008 - 2009، الذي كانت حصيلته الفلاحية قياسية وغير مسبوقة. إن المثير هنا، هو أن يأتي هذا الشح في ماء السماء، أول هذا العام، مباشرة بعد سنة وفيرة المياه. كما لو أن السماء قد أعطتنا حقنا من المطر بزيادة السنة الفارطة. وبلغة الأرقام التي تسمح بالمقارنة، فإن أول الغيث سنة 2007، كان يوم 2 أكتوبر (وكان يوم ثلاثاء )، حيث سقطت أمطار خفيفة في صبيحة ذلك اليوم على النصف الشمالي للمغرب من آسفي حتى طنجة، وكانت أشبه بالرذاذ، ودام هطولها حوالي 50 دقيقة. وفي اليوم الموالي، كما كانت قد أخبرت بذلك مصالح الأرصاد الجوية، فقد أطلقت السماء ذخيرتها، ابتداء من الساعة الثانية بعد الزوال ليوم الأربعاء 3 أكتوبر 2007، وكان مطرا غزيرا، مصحوبا برعود قوية جدا ( كنا حينها في الأيام العشر الأخيرة من رمضان ). ولقد استمر هطولها، بتقطع، حتى آذان المغرب. ثم تواصل هطول المطر في تلك السنة أيام الثلاثاء 9 ، الأربعاء 24، الخميس 25 أكتوبر، وكانت الكميات وفيرة، وتمتد أقله لساعتين بلا انقطاع، خاصة بليل. ثم غاب المطر عن سماء المغرب، حتى يوم 20 نونبر 2007. الموسم الماضي، كان موسم فرح بالماء والمطر، في كامل البلاد، من طنجة حتى الداخلة بعمق الصحراء المغربية. فقد كانت أول قطرات المطر قد هطلت يوم الأربعاء 3 شتنبر 2008، وكان ذلك في ثاني أيام رمضان. وكان مطرا عاصفيا قويا، لم يتجاوز هطوله الساعة إلا ربع. وبقيت السماء صافية حتى يوم الخميس 18 شتنبر 2008 ( الذي صادف 17 من رمضان )، حيث بدأ هطولها مع أول ضوء الصباح الباكر، وظلت تهطل طيلة اليوم، بحيث كان يوما لم تبزغ فيه شمس. والغريب أن ذلك المطر جاء بعد أسبوع من الحرارة المرتفعة جدا ومن رياح « الشرقي ». وتواصل هطوله أيام 20، 21، 25، 29 شتنبر 2008. وبعد أسبوع عادت السماء لتجود بمائها، يوم الخميس 09 أكتوبر 2008، الذي تواصل ليومين كاملين، ثم تواصل الماء النازل بكثافة وقوة ( تسبب في قتلى وخسائر مادية بعدد من مناطق المغرب )، أيام 18، 19،21، 22، 24، 25، 26، 28 أكتوبر 2008. ثم عاود الهطول يوم الثلاثاء 4 نونبر 2008. وعلى مدى أيام شهر أكتوبر المطير هذا، كانت حصيلة الخسائر كبيرة، خاصة في مدن الناظور، طنجة، الحسيمةووجدة ( حوالي 35 قتيلا )، حيث بلغت مقاييس الأمطار في طنجة والناظور 115 ملمترا، في ليلة واحدة، و 70 ملمترا في وجدة. مثلما سجلت فيضانات في مدن الرشيدية وورزازات وفكيك، وارتفع منسوب المياه في الأودية، وسقطت ثلوج كثيفة في أعالي الجبال ( وكان يوم السبت 25 أكتوبر 2008 يوما أسود بخسائره الكبيرة في الأرواح ).. اليوم، ها نحن في 31 أكتوبر 2009، ولم يهطل المطر سوى أيام 10، 11، 13، 14 شتنبر 2009. أما شهر أكتوبر فهو شهر بلا ماء، والفلاحون المغاربة البسطاء، الذين يشكلون الأغلبية، يضعون قلوبهم على أيديهم، في انتظار أن يجود الغيم بماء وفير..