رغم اتهام البعض في البداية للحكومة المصرية بالوقوف وراء الواقعة ، إلا أن صحيفة "الجارديان" البريطانية كشفت يوم الأربعاء الموافق 29 سبتمبر عن مفاجأة مثيرة مفادها أن التشويش على قناة "الجزيرة" الرياضية خلال مونديال كأس العالم لكرة القدم في جنوب إفريقيا جاء من الأردن . ووفقا ل"وثائق" نشرتها الصحيفة، فإن تلك النتيجة تم التوصل إليها من خلال تحقيقات وتحريات دقيقة انتهت إلى أن التشويش جاء من شمال شرقي العاصمة الأردنية عمان . وأكد محرر الشؤون السياسية في صحيفة "الجارديان" البريطانية إيان بلاك أن الوثائق التي أوردتها صحيفته، بأن مصدر التشويش على بث الجزيرة الرياضية أثناء نقلها مباريات كأس العالم الأخيرة بجنوب أفريقيا جاء من الأردن، "موثقة ولا تقبل الدحض وباتت معروفة للجزيرة وإدارتها". وفي مقابلة مع قناة "الجزيرة" استبعد بلاك، الذي رفض الكشف عن مصدر معلوماته، أن يتم ذلك التشويش دون علم من السلطات الأردنية، مستندا في ذلك على رأي الخبراء. وربطت الصحيفة بطريقة غير مباشرة بين التشويش وانهيار مفاوضات الأردن مع الجزيرة الرياضية لنقل مباريات كأس العالم للمشاهدين الأردنيين. وحسب الصحيفة البريطانية فإن التشويش انطلق من مكان قريب من مدينة السلط الأردنية وتحديدا خارج الضواحي الشمالية للمدينة, وتمّ بمعدات متطورة جدا. ولكن الكاتب والمحلل السياسي الأردني سلطان حطاب، نفى بشدة ما أوردته الصحيفة، وقال إن "الصواب جانبها كما جانب محللها السياسي". وقال إن ثمة عملية تسييس للموضوع لا تتحملها الرياضة. وأضاف أن الأردن إذا كان بهذه المقدرات التقنية العالية، فكان "حريا به أن يشوش على القناة التي شوهت تاريخه وتحاملت عليه"، بحسب قوله. وفي حال تأكدت مزاعم "الجارديان" السابقة ، فإن هذا الأمر من شأنه أن يفجر تساؤلات كثيرة حول الجهة الأردنية التي تقف وراء التشويش وأهدافها وما إذا كانت نفذت الأمر بسبب الاحتجاج على تشفير مباريات كأس العالم أم أن الأمر له أبعاد سياسية وهل لإسرائيل علاقة بالأمر أم لا . وإلى حين تتضح أبعاد الأمر بالكامل ، فإن قناة "الجزيرة " التي ألمح البعض فيها لتورط الحكومة المصرية في البداية والتراجع فيما بعد عن مثل هذا الاتهام سيكون عليها الآن متابعة التحقيقات وكشف الحقيقة على الملأ لأنه يبدو أن الأمر أخطر مما يتوقع كثيرون بل وعلى الأرجح ستكون إسرائيل كلمة السر فيه . سوابق إسرائيلية فمعروف أن تل أبيب مازالت تقع تحت وطأة الإدانات الدولية على خلفية مجزرة أسطول الحرية ، ولذا يعتقد أنها سارعت للتشويش على القمر الصناعي المصري "نايل سات" تحديدا لإثارة أزمة بين قناة "الجزيرة" والقاهرة ولفت الانتباه بعيدا عن قضية رفع الحصار عن غزة والانتقام في الوقت ذاته من فضح "الجزيرة" لجرائمها ضد نشطاء الحرية ، بالإضافة إلى الانتقام من قرار مصر فتح معبر رفح لأجل غير مسمى . أيضا ، فإن إسرائيل لها سوابق في التشويش على الأقمار العربية وهذا ما ظهر خلال الحرب الأخيرة على غزة عندما كانت تشوش ليل نهار على قناة "الأقصى" الفضائية ، هذا بجانب ماأكده نشطاء أسطول الحرية حول قيام القوات الإسرائيلية بالتشويش على الاتصالات بين سفن الأسطول . وتبقى شهادات خبراء الاتصالات هي الأهم في هذا الصدد ، حيث أكد الخبير في مجال الاتصالات الفضائية المهندس عمر شوتر في اتصال مع "الجزيرة" من دمشق أن التشويش الذي حدث تشويش متعمد وقد استمر طوال الشوط الأول من مباراة الافتتاح بين منتخبي جنوب إفريقيا والمكسيك في بطولة كأس العالم لكرة القدم ولم يتمكن الفنيون من معالجته ، قائلا :" التشويش عمل إرادي من طرف جهة كانت تعرف تماما ماذا تفعل" ، وأكد أن "نايل سات" لا يمكن أن تقوم بالتشويش على نفسها ، داعيا إلى اتخاذ إجراءات بشكل عاجل لمعرفة الجهة المسئولة عن التشويش. وفي السياق ذاته ، صرح مصدر مسئول ب "النايل سات" بأن الاتهامات في هذا الصدد كانت عارية تماما من الصحة وإن هناك إشارات مجهولة المصدر هي التي تسببت في العطل ، متسائلا " كيف تقوم مصر بتعطيل الإرسال وهي دفعت 130 مليون جنيه من أجل نقل المباريات؟ وكيف يفعل ذلك التليفزيون المصري وهو يكسب من الإعلانات قبل وبعد المباراة؟ ". ورغم أن بعض وسائل الإعلام المسمومة ربطت بين قرار "الجزيرة" بث المباريات التي اشترتها مصر مسبقا على قناتها الرياضية المفتوحة وبين ما حدث من تشويش ، إلا أن خبراء الاتصالات أكدوا أن عملية التشويش تحتاج لإمكانيات تقنية كبيرة ولا يمكن أن تتم في ساعات وهو ما يبريء مصر تماما ويؤكد أن إسرائيل خططت قبل فترة لهذا الأمر، فقرار "الجزيرة" بث مباراة الافتتاح على قناتها المفتوحة كان مفاجئا وقبل انطلاق المباراة بوقت قصير ، وهو ما يبطل تماما مزاعم الانتقام . وبالنسبة لما ردده البعض حول وجود تدخلات من جانب "نايل سات" تسببت بانقطاع الصورة أكثر من مرة خلال مباراة افتتاح كأس العالم بين جنوب إفريقيا والمكسيك على كل قنوات "الجزيرة" ، فيما لم تتأثر صورة البث في قنوات التليفزيون المصري الأرضية بالانقطاعات ، هو أمر أكد أيضا زيف ما سبق ، لأن من أقدم على التشويش لا يمكن أن يكشف نفسه بهذه السهولة . تحركات فورية مباراة المكسيكوجنوب إفريقيا وأخيرا ، فإن ما أبطل المزاعم السابقة حينها قبل "قنبلة الجارديان "هو تحرك مصر و"الجزيرة" في الوقت ذاته لكشف حقيقة ما جرى ، حيث تقدمت مصر بشكوي للاتحاد الدولى للاتصالات للتحقيق في التشويش الذى تعرض له القمر الصناعي المصري "نايل سات" أثناء افتتاح بطولة كأس العالم في 11 يونيو / حزيران الماضي والذى نتج عنه عدم انتظام الإرسال أثناء بث مباراة الافتتاح بين منتخبي جنوب إفريقيا والمكسيك. ووفقا للتليفزيون المصري ، فإن اللواء أحمد أنيس رئيس الشركة المصرية للأقمار الصناعية "نايل سات" كان رفع تقريرا بما حدث حينها لوزير الإعلام المصري أنس الفقي ، وبناء عليه ، فقد قام الفقي بتكليف الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للتقدم رسميا بشكوي للاتحاد الدولي للاتصالات للتحقيق في هذه الواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية والفنية المناسبة حيال ما تم من تداخل على القمرين المصريين نايل سات 101و 102 يومي الجمعة والسبت "11 و 12 يونيو" على الترددات الخاصة بنقل فاعليات كأس العالم بجنوب إفريقيا على قنوات "الجزيرة" الرياضية. وأضاف التليفزيون المصري أنه تم مخاطبة الاتحاد الدولي للاتصالات استنادا إلى المادة 15 من لوائح الراديو بالاتحاد الدولي للاتصالات لاتخاذ ما يلزم حيال هذا التداخل والذى يعتبر عملا غير مسئول وانتهاكا صريحا للوائح والقوانين لاسيما وأنه سبق وتكررت هذه التداخلات من قبل وعلى قنوات قمرية مختلفة مثل قناة "الزوراء" وقناة ال "بى بى سى" باللغة الفارسية. وبالنسبة لقناة "الجزيرة" ، فقد كلفت شركة بريطانية متخصصة في تقنيات الاتصالات والتشويش للتحقيق في كيفية حدوث التشويش تقنياً والتعاون مع الفريق القانوني لتقديم أدلة قاطعة في حال انتقال القضية إلى المحاكم البريطانية أو الدولية. وبعد ما فجرته صحيفة "الجارديان" ، فإن اتهام الحكومة الأردنية هو أمر مستبعد أيضا مثلما هو الأمر بالنسبة للحكومة المصرية وذلك في ضوء حقيقة بسيطة وهي أن التشويش لم يخدم المشاهد العربي في شيء بل إنه كان مقصودا في حد ذاته للنيل من أي تجربة عربية ناجحة في هذا الصدد ولذا لا بديل عن تعاون إدارة "الجزيرة" مع إدارة "النايل سات" للتصدي للقرصنة في عالم الاتصالات من جهة واستمرار فضح جرائم إسرائيل بالصوت والصورة من جهة أخرى .