سرت شائعات في الأردن مفادها أن القصر يوزع هبات مالية للفقراء، فهب الناس مسارعين للحصول على حصتهم، واتضح أن الأمر كله شائعة من أجل التكسب، حيث قام بعضهم بإعداد استمارات تملأ من قبل الفقراء بمقابل مادي على أمل الحصول على الهبة المزعومة! فمن المسؤول عن التلاعب بمشاعر الناس هكذا؟ جزء كبير من المسؤولية يقع على عاتق من بسطوا وسطحوا الأوضاع والمطالب للناس، وصوروا الثورات على أنها مفتاح الحلول، وطريق الحصول على الحقوق، وأن كل الدول العربية متشابهة، في البؤس والتردي، وعلى رأس هؤلاء المسؤولين بعض من نخبنا الثقافية. فهل الإصلاح الاقتصادي، مثلا، سيأتي بالهبات المجانية، ويؤدي لارتفاع فوري للمداخيل الشخصية؟ بالطبع لا، فأولى خطوات الإصلاح الاقتصادي، في أي مكان، هو رفع الدعم عن السلع، وعلى من يريد الاستزادة من هذا الأمر أن يتأمل تجربة تركيا في العشر سنوات الأخيرة ليعرف أنها لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بالعمل والمثابرة الشاقة. وقد يقول قائل: هل هذا يعني أنك ضد الإصلاح السياسي والاقتصادي؟ والإجابة، لا بكل تأكيد، فالإصلاح حاجة ماسة في كل دولنا، حاجة ماسة بالسعودية، ودول الخليج، والأردن، لكن هل علل منطقتنا واحدة؟ الإجابة أيضا لا، ومن هنا يقع اللوم على المثقف الحالم الذي يريد اللعب على مشاعر الشارع. العراق بقي قرابة ثمانية أشهر دون حكومة، فهل يتساوى مع سلطنة عمان، أو الإمارات، أو السعودية، هراء.. مصر، ذات النظام الرئاسي الجمهوري، ظل رئيسها في الحكم لمدة ثلاثين عاما، وأراد توريث ابنه، فهل يقارن بالبحرين؟ بالتأكيد لا، وحتى مطالب الإصلاح التي رفعت بالبحرين، وقيل إنها مشروعة، فماذا نقول عن الجماعات الشيعية هناك، التي نادت بإسقاط الملكية وإعلان الجمهورية البحرينية؟ أمر غير مقبول على الإطلاق! فهل دول الخليج، وبكل مشكلاتها، وإن تفاوتت، تشبه اليمن الذي يحكمه رئيس لفترة فاقت مدة كل ملوك، وأمراء الخليج، واليمن نظام رئاسي؟ هل نحتاج الحديث عن ليبيا بعد ما فعله ويفعله القذافي بشعبه، فليبيا دولة كان يفترض ألا تقارن إلا بالسعودية أو الكويت أو قطر بحسب مداخيلها البترولية، لكنها اليوم أقل من أي دولة عربية أخرى لا تملك مداخيل نفطية. الإصلاح مطلب ملح، لأن الثبات والجمود هو أهم وأبرز أسباب سقوط، بل وانتهاء الدول، لكن القفز للمجهول، وتجاهل حقائق وواقع كل دولة يعد عبثا، بل ونفاقا للشارع يمثل خطورة النفاق للحاكم، وهذا ما يفعله بعض مثقفينا في العالم العربي للأسف، خصوصا من امتهنوا التوقيع على البيانات، إسلاميين تارة، وديمقراطيين تارة أخرى. نقول هذا لأن دول الخليج العربي تحديدا، وجميعها بلا استثناء، سارت وتسير في طريق الإصلاح، بعضها انطلق مسرعا، وبعضها يسير ببطء، والبعض الآخر بتوازن، لكنها ليست مثل مصر، ولا تونس، ولا ليبيا، ولا اليمن، وبالطبع ليست مثل سورية، وهذه قصة أخرى بحد ذاتها. هذا هو الواقع، وهذا هو المنطق، إلا إذا كان البعض يرى خيرا بالفوضى، فذلك أمر مختلف تماما.