شهدت مدينة الزاوية، غرب العاصمة الليبية طرابلس، معارك طاحنة شاركت فيها الدبابات طوال نهار أمس في محاولة مستميتة من العقيد معمر القذافي لتأمين «ظهره» في غرب البلاد كي يستطيع أن يواجه قوات الثوار المتجهين من الشرق، والذين واصلوا تقدمهم في اتجاه معقله في مدينة سرت. وطغت المواجهات الدموية خصوصاً في الزاوية التي قال الثوار إنها تشهد «مذبحة»، على أي تطور سياسي آخر، بما في ذلك الاجتماع الأول للمجلس الوطني الذي شكّله الثوار في مدينة بنغازي، عاصمة شرق البلاد. واعلن رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل، بعد الاجتماع، ان المجلس هو «ممثل الوطن الشامل لكامل مناطق البلاد»، ويرفض «اي تدخل او تواجد عسكري» اجنبي في ليبيا. وقالت مصادر معارضة مساء إن المجلس عيّن في أعقاب اجتماعه أمس السفير الليبي السابق في الهند علي العيسوي منسقاً للشؤون الخارجية في المجلس، علماً أنه كان من أوائل السفراء الذين أعلنوا إنشقاقهم عن نظام القذافي، بعد بدء ثورة 17 شباط (فبراير) الماضي. كما أفيد بان المجلس عيّن عمر حريري منسقاً للشؤون العسكرية فيه، علماً أنه كان من الضباط الذين شاركوا في الانقلاب ضد النظام الملكي العام 1969 لكنه اختلف لاحقاً مع القذافي وسُجن. كما عين عبدالحفيظ عبد القادر غوقة نائبا لرئيس المجلس. وأقرت بريطانيا، أمس، بأنها تستعد لإمكان إرسال قوات إلى ليبيا إذا ما استدعت الحاجة ذلك، وبأن كتيبة «بلاك ووتش» التابعة للقوات الملكية الاسكتلندية تستعد منذ 10 أيام كي تنتقل إلى ليبيا خلال 24 ساعة فقط من صدور الأمر لها بالتحرك. كذلك أعلنت بريطانيا أنها سترسل وفداً إلى مدينة بنغازي للإتصال بقادة الثوار، في أول اتصال مباشر معهم على الأرض. ويُعتقد بأن هذا الاتصال سيتناول بحث المساعدة الممكن أن تقدمها بريطانيا للثوار وعلى رأسها فرض حظر جوي فوق ليبيا لمنع قوات القذافي من قصف مناوئيه. وستكون تفاصيل الحظر الجوي أيضاً محور محادثات متوقعة يجريها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن مع مسؤولين روس خلال الأيام المقبلة لإقناعهم بسحب أي اعتراض لهم على التدخل العسكري الغربي ضد حكم القذافي. كما اعلن وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، خلال حفلة في مدينة بوردو (جنوب غرب) التي يرأس بلديتها: «اننا نعمل في نيويورك مع البريطانيين من اجل الحصول على قرار من مجلس الامن بانشاء منطقة حظر جوي لمنع عمليات القصف». واضاف: «اننا نتابع باهتمام كبير» الوضع في ليبيا، مشيرا الى انه اجرى صباحا «مكالمة هاتفية مع وزير (الداخلية الليبي السابق عبد الفتاح) يونس» الذي انشق عن القذافي في 22 شباط (فبراير) وانضم الى الثوار الذين يتمركزون في بنغازي. وأوضح الناطق باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو في بيان تلقته «فرانس برس»، أن جوبيه ويونس «بحثا في الوضع الإنساني في ليبيا وعلى الحدود وكذلك الوضع الداخلي». وجاء في البيان أن يونس اغتنم الاتصال للتأكيد ان المجلس الوطني الذي شكلته المعارضة الليبية «يطالب بمنطقة حظر جوي فوق ليبيا ويوجه نداء إلى الاسرة الدولية لتساعد في عملية الانتقال الديموقراطي». وكان جوبيه اعلن الخميس مع نظيره البريطاني ويليام هيغ في باريس انهما يعدان «اجراءات جريئة وطموحة» لعرضها على القمة الأوروبية حول ليبيا في 11 آذار (مارس). وبحثا بصورة خاصة مسالة اقامة منطقة حظر جوي. وقال جوبيه السبت قبل ساعات من توجهه الى مصر في اول زيارة رسمية يقوم بها الى الخارج بصفته وزير خارجية «نقف الى جانب الذين يريدون نيل حريتهم وتحقيق الانتقال الديموقراطي». وسيعقد جوبيه لقاء الأحد في القاهرة مع الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى كما سيجتمع بالجالية الفرنسية قبل ان يعود الى باريس في المساء. ميدانياً، قال شهود إن الكتائب الأمنية الموالية للعقيد القذافي شنّت هجوماً جديداً على مدينة الزاوية غرب طرابلس بعد ظهر بعد فشل محاولات عديدة سابقة لدخول المدينة أول من أمس وفجر أمس. وكانت قوات القذافي تمكنت فجراً من دخول الزاوية، لكن الثوار عادوا وأرغموها على الإنسحاب، قبل أن تعاود هذه القوات هجومها بعد الظهر على رأس أرتال من الدبابات. وأكدت وكالة «أسوشيتد برس» مساء أن قوات القذافي تتوغل داخل المدينة التي يسكنها 200 ألف شخص وتضم مصفاة ضخمة لتكرير النفط. وقال شهود ل «الحياة» إن قوات القذافي قتلت عدداً كبيراً من المدنيين. وأوضح هؤلاء في اتصالات هاتفية مع «الحياة» في بنغازي ان دبابات وآليات ثقيلة هاجمت الثوار أثناء احتفالهم بصد هجوم لقوات القذافي، وباغتتهم ما ادى الى سقوط عدد كبير منهم بين قتيل وجريح. وأضاف الشهود أن الحالة الإنسانية في المدينة باتت مزرية، وأن الثوار «ما زالوا صامدين... لكن دبابات القذافي تقصف الشوارع والبنايات وتحاصر المدينة». وفي الشرق، قال الملازم أول طيار عطية عمر المنصوري ل «الحياة» إن غرفة العمليات العسكرية المركزية في بنغازي أُبلغت من المقاتلين في رأس لانوف أن طائرات هليكوبتر عمودية تقصف المنطقة وأن الثوار تمكنوا من إسقاط طائرة من طراز «سوخوي» ذات مقعدين لكن كان يقودها طيار واحد لم يتمكن من القفز بالمظلة وقتل في الطائرة. وأوضح أن مدينة النوفلية جنوب رأس لانوف «بايعت الثوار». وقال إن هذه المدينة هي «سرة قبيلة المغاربة المعتبرة التي لها امتدادات في سرت». وأخذ المنصوري على المجتمع الدولي ما وصفه بأنه «تردده» في اتخاذ قرار بحظر الطيران فوق ليبيا. وقال: «ما فهمناه أن النظام الدولي لن يتدخل قبل حصول مأساة إنسانية كبيرة... وهذا لن يحدث، إذ أن إمدادات الغذاء تتوالى على مناطق الشرق من مصر، ونستنكر موقف المجتمع الدولي الذي يشير إلى أن هناك قوى عظمى ما زالت تراهن على القذافي». وبعد الظهر، قالت مصادر معارضة إن قوات «كتيبة الساعدي»، نجل العقيد القذافي، تحتشد في منطقة هراوي بالوادي الأحمر استعداداً لهجوم على رأس لانوف التي تجاوزها الثوار أول من أمس وباتوا على بعد 150 كلم فقط من سرت.