"الشرق الاوسط" تونس: المنجي السعيداني أثار تعيين الباجي قائد السبسي رئيسا للحكومة المؤقتة في تونس خلفا لرئيس الوزراء المستقيل محمد الغنوشي، الأحد الماضي، جدلا وسط الطبقة السياسية في البلاد. فقد انتقد البعض الخطوة على اعتبار أن الرجل متقدم في السن (85 سنة)، وكان ابتعد عن عالم السياسة لأكثر من 20 سنة، وهي فترة تغير فيها كثيرا المشهد السياسي التونسي الحالي. لكن آخرين اتخذوا مواقف مختلفة وعددوا مناقب الرجل السياسية وتقلده مناصب عديدة وفي وزارات السيادة من الداخلية إلى الخارجية، إلى جانب تتلمذه على يدي الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة المعروف بدهائه وحنكته السياسية في إدارة الأزمات. كما أن مواقفه السياسية المعارضة للانغلاق الذي فرضه بورقيبة على الساحة السياسية التونسية خلال عقد السبعينات من القرن الماضي، كان من العلامات المضيئة الداعمة لملف قائد السبسي كرجل يمكنه الخروج بالبلاد من عنق الزجاجة في المرحلة الراهنة. كما أن مطالبته بالإصلاح السياسي في وقت مبكر من تاريخ تونس ومعرفته الدقيقة بالأحزاب السياسية ومعايشته لتكوين النواة الأولى منها، جعلته يتمكن من محاورة القيادات السياسية بيسر. ولعل الخطوة الأولى التي اتخذها قائد السبسي بتوجهه مباشرة إلى قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل بعد تعيينه بيوم واحد ونجاحه في إبطال الإضراب العام الذي كان من المفروض أن تعرفه مدينة صفاقس (ثاني كبرى المدن التونسية) أول من أمس، رفع من أسهمه في الحياة السياسية التونسية كرجل قادر على محاورة كل الأطراف والتأثير عليها في اتجاه التوافق السياسي لأجل مصلحة تونس. ولد قائد السبسي في سيدي بوسعيد الوقعة بالضاحية الشمالية للعاصمة في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 1926، وهو حاصل على شهادة المحاماة من كلية الحقوق في باريس التي تخرج منها عام 1950 ليمارس مهنة المحاماة ابتداء من سنة 1952. وقد تولى في عالم السياسة عدة مسؤوليات بين 1963 و1991. ونشأ قائد السبسي في عائلة قريبة من البايات الحسينيين، وناضل في صفوف الحزب الدستوري الجديد الذي قاده الزعيم الحبيب بورقيبة وذلك منذ سنوات شبابه الأولى. وبعد الاستقلال عن فرنسا عام 1956، عمل قائد السبسي مستشارا لبورقيبة ثم مديرا لإدارة جهوية في وزارة الداخلية. وعين سنة 1963 على رأس إدارة الأمن الوطني بعد إقالة إدريس قيقة على خلفية المحاولة الانقلابية التي الكشف عنها في ديسمبر (كانون الأول) 1962. وعين السبسي سنة 1965 وزيرا للداخلية بعد وفاة الطيب المهيري. كما تولى في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1969 وزارة الدفاع بعد إقالة أحمد بن صالح، وبقي في نفس المنصب إلى غاية 12 يونيو (حزيران) 1970 ليعين سفيرا لدى باريس. وفي سنة 1971 جمد الحزب الاشتراكي الدستوري الحزب الحاكم في عهد بورقيبة، نشاط قائد السبسي على خلفية تأييده لمطالب إصلاح النظام السياسي في تونس. وفي سنة 1974 اتخذ الحزب قرار إبعاده من صفوفه لينضم إلى المجموعة التي ستشكل سنة 1978 حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة أحمد المستيري، وتولى في تلك الفترة إدارة مجلة «الديمقراطية» المعارضة. وفي 3 ديسمبر (كانون الأول) 1980 أرجعه محمد مزالي الذي انتهج مبدأ الانفتاح السياسي، إلى الحكومة وعينه كوزير معتمد لدى الوزير الأول، وفي 15 أبريل (نيسان) 1981 عين وزيرا للخارجية خلفا لحسان بلخوجة. لعب قائد السبسي كوزير للخارجية دورا أساسيا في قرار إدانة مجلس الأمن الدولي للغارة الجوية الإسرائيلية التي شنتها على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط بالضواحي الجنوبية للعاصمة التونسية في عام 1985. وفي 15 سبتمبر (أيلول) 1986 عوض السبسي بالهادي المبروك على رأس الدبلوماسية التونسية ليعين بعدها سفيرا لدى ألمانياالغربية. وبعد وصول زين العابدين بن علي إلى السلطة في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1987، انتخب في مجلس النواب عام 1989 وتولى رئاسة البرلمان بين 1990 و1991. إلا أنه غاب عن المشهد السياسي طوال أكثر من عشرين سنة ولم يقدم أي نوع من الانتقاد إلى نظام بن علي ولم يدل بأي مواقف سياسية طوال تلك الفترة. وقدم قائد السبسي تفاصيل تجربته مع الحبيب بورقيبة في كتابه «الحبيب بورقيبة، البذرة الصالحة والزؤام» الذي نشره سنة 2009.