يقول الأخ القائد في كتابه الأخضر العظيم «إذا كانت إدارة الحكم ديكتاتورية فإن يقظة المجتمع ليس لها وسيلة للتعبير وتقويم الانحراف إلا العنف، أي الثورة على أداة الحكم»! هذا أحد أقوال الرجل الذي منذ 42 عاما يلقي الخطب ويؤلف الكتب، وفي النهاية يعلن أنه «مجد ليبيا» مخاطبا الجرذان والكلاب والفئران والجراثيم التي طالبت بذهابه، فهددها جميعا بالإعدام معلنا أنه باق إلى الأبد. كم كان الأخ القائد ونجله سيف الإسلام على حق عندما كرر كلاهما، أن القذافي ليس مبارك ولا زين العابدين بن علي، وأن ليبيا ليست تونس ولا مصر. لقد اكتفى بن علي بقراءة خطاب مكتوب قبل أن يغادر، وقرأ مبارك خطابين مكتوبين. كلاهما طلب فقط أن يكمل ولايته. لم يهددا بالزحف المقدس على الفئران والجراثيم، التي خرجت تطلب ذهاب السيد «أنا معمر، أنا المجد» «أنا باق إلى الأبد». اعتقد كثيرون أن القذافي خاطب الليبيين بهذه التعابير للمرة الأولى، وذلك ربما لأنه ليست لدى أحد هواية سماع خطاباته. لكن الذين تابعوا خطبه، للضرورة أو للسلوى، يعرفون أنه أول رئيس دولة عربي وصف المعارضين ب«الكلاب الضالة»، وهو الذي خاطب الناس العام 1982 بالقول: «أنا لما كنت رئيس مجلس قيادة الثورة لم تكن هناك ديمقراطية في ليبيا. كان هناك نظام عسكري ديكتاتوري، والذي يقول إنه كانت هناك ديمقراطية هو دجال وكذاب». وفي مقابلة صحافية قال إن «الليبي بدوي كسول ويعاني من وطأة كبت مزمن وشامل» و«الليبيون جميعا نتاج المرحلة السابقة المتردية، فكل واحد منهم يحمل الرواسب البغيضة من الماضي. هذا المجتمع المتخلف والأغلبية منه أميون». فيما وعد سيف الإسلام القذافي مواطنيه، بمن فيهم الفئران والجرذان، بعلم جديد ونشيد جديد، على موال الدم، بعد ان كان اللافت في التظاهرات أولئك الشبان الذين راحوا يرفعون العلم الملكي السابق على الأعمدة والمباني. أين وكيف أعدت تلك الأعلام، قبل أن يعطي سيف الإسلام فكرته إلى مصمم جديد، لا ندري. لكن جميع الذين رفعوا الأعلام ولدوا في عصر الفاتح وبعد «الإطاحة بالعهد البائد». أي العهد الذي أقام وحدة ليبيا وأنشأ استقلالها وبدأ في بناء طمأنينتها وأواصرها الوطنية. تتصرف مصر وكأن عهد مبارك انتهى منذ 20 عاما. المحاكم عادت إلى عملها والحكومة عُدلت غير مرة والصحف الرسمية تجانست تماما مع الحكم الجديد والحياة العادية عادت كما هي في معظم المدن، فيما الرعب في ليبيا مستمر والزحف المقدس قائم ولا أحد يعرف عدد القتلى الحقيقي أو أعداد الهاربين أو أعداد الذين تم إجلاؤهم على عجل. وقد تعطلت الدولة والجيش وامتلأت المستشفيات وانتشرت المدافن الجماعية كأنما البلد في حالة حرب. والأخ القائد لا يزال يصرخ في الشعب الليبي: «ثورة. ثورة. أنا المجد».