شددت السلطات الجزائرية المراقبة الأمنية على قيادي «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة، علي بن حاج، بشكل لافت خلال الأسابيع الأخيرة بسبب نشاطه السياسي المكثف بالمساجد. وأضحى اعتقاله واقتياده إلى مراكز الشرطة شيئا معتادا بعد كل صلاة جمعة، لكن السلطات تتحفظ عن متابعته قضائيا على الرغم من التهم الخطيرة التي يوجهها للمسؤولين في الدولة. تجدر الإشارة إلى أنه كلما زادت السلطات في تعزيز القيود على زعيم «الإنقاذ» زاد هو عنادا وتحديا على تجاوز هذه القيود. فمنذ خروجه من السجن العسكري في صيف 2003، لا يفوت بن حاج أي فرصة لإبداء موقفه حيال قضايا محلية ودولية يحرص على متابعتها بدقة. والمسجد هو المكان الوحيد الذي يقصده بن حاج للتعبير عن رأيه، ويختار في غالب الأحيان يوم الجمعة لجمع أنصاره بعد الصلاة ليسمعهم تعليقاته حول مختلف القضايا. ودرج بن حاج على ممارسة السياسة بمسجد «الوفاء بالعهد» بالضاحية الجنوبية للعاصمة. وبمجرد الانتهاء من إلقاء «الدرس» بالمسجد، يجد بن حاج الشرطة تنتظره إما بالقرب من المسجد، أو البيت لاعتقاله واقتياده إلى مركز أمن ولاية العاصمة، الذي دخل بن حاج مكاتبه أكثر من أي مواطن جزائري آخر. ويخضع بن حاج لاستجواب يدوم ساعات طويلة، يدور حول تفاصيل أحاديثه مع المصلين. وقال شرطي حضر استجوابه الأسبوع الماضي ل«الشرق الأوسط» إن بن حاج رفض الإجابة على أسئلة الضابط المحقق. ونقل عنه قوله: «حرية الرأي والتعبير مكفولة دستوريا لكل جزائري، وأنا لم أفعل شيئا غير التعبير عن رأيي في قضايا تهم الشأن العام. فإذا قدرتم بأنني تجاوزت القانون ما عليكم إلا أن توجهوا لي التهمة وتتركوا القضاء فيما بعد يؤدي مهمته». ويرفض بن حاج دائما الرد على أسئلة محققي الشرطة، بدعوى أنه يخوض في شؤون سياسية يعتبرها حقا من حقوقه، وبالتالي فهو غير مطالب بتقديم مبررات لمواقفه وآرائه. ويقع بن حاج، 54 سنة، منذ قرابة عامين، تحت طائلة تهمة «إهانة قاض أثناء أداء مهامه»، وجهها له النائب العام بالعاصمة بسبب اتهامه قاضيا ب«الكذب». وقد جرى ذلك خلال أطوار محاكمة، تناول فيها القاضي أحداثا عاصفة مرت بها الجزائر، وكان بن حاج وحزبه «الإنقاذ» في قلب تلك الأحداث. ووجد بن حاج أن القاضي لم يسرد الوقائع كما حدثت، فنعته بالكذب وثارت ثائرة القاضي وأمر الشرطة بطرده من قاعة المحاكمة. لكن مؤشرات قوية تفيد أن القضاء لا ينوي محاكمته بسبب تلك الحادثة، ويعكس ذلك موقفا من السلطات التي لا تريد أن توفر للقيادي الإسلامي فرصة يتهجم فيها على المسؤولين في الدولة، خلال محاكمة محتملة تحظى من دون شك بتغطية واسعة من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. وتتحاشى السلطات أيضا إدخاله السجن، لأنها تعتقد أن عقوبة السجن السابقة لم تزده إلا صلابة وتشددا. وتفضل السلطات أن يبقى بن حاج بعيدا عن الأضواء. يشار إلى أن أبو عبد الفتاح (كنية اشتهر بها بن حاج مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي) دخل السجن في 1991 رفقة رئيس الحزب عباس مدني بتهمة «تهديد أمن الدولة»، وحكم عليهما بالسجن مدة 12 سنة من طرف المحكمة العسكرية. وغادر السجن في 2003 مقيدا بمجموعة إجراءات منعته من النشاط في المساجد، ومن التصريح للصحافة، والعمل في مؤسسات الدولة مدة 5 سنوات. وفي عام 2005 دخل بن حاج السجن مجددا دون تهمة محددة، وكان السبب تصريحا بثته إحدى الفضائيات اعتبره مراقبون تحريضا على قتل دبلوماسيين جزائريين اختطفتهما «القاعدة» بالعراق. وغادر السجن بعد 8 شهور. وتعيب السلطات على بن حاج عدم إبداء موقف معاد للإرهاب، فهو الوحيد من بين كل رجال الدين والدعاة والمشتغلين بالسياسة من يرفض دعوة المسلحين إلى التوقف عن الإرهاب. ويرى مراقبون أن التحاق ابنه عبد القهار بالتنظيمات المسلحة (خريف 2006) يؤثر عليه من حيث إنه يكرس حقيقة جلية عند خصومه، مفادها أنه الزعيم الروحي للجماعات المسلحة.