يكشف مارك غرانقير، أحد مصوّري الجيش الفرنسي، خلال مرحلة الثورة التحريرية بالجزائر، عن عدة جوانب كان شاهدا فيها على روح الاحتقار لدى عدد من الضباط الفرنسيين تجاهالسكان الجزائريين، لدرجة نعتهم بغير البشر وبالحيوانات واستعدادهم إبادتهم، مشيرا بأن الكتب الذي قام بتأليفها، كانت محاولة لإعادة الاعتبار للجزائري وبالأخص للمرأة الجزائرية خلال تلك المرحلة. أوضح مارك غرانقير، صاحب كتاب ''النساء الجزائريات''، في تصريح خص به ''الخبر''، عن الفترة التي عايشها كملاحظ وكمصور لوقائع حدثت في مناطق واسعة من الجزائر، من بينها عين ترزين وبرج خريس وسوق أهراس، قائلا ''رفضت في البداية الالتحاق بالجيش الفرنسي، حينما تم استدعائي لأول مرة عام 1955، لأنني كنت مبدئيا معارضا لها، واعتقدت أنه بعد خمس سنوات ستنتهي هذه المأساة، لكن اضطررت إلى الالتحاق في مارس 1960 وبقيت في الجزائر إلى غاية فيفري1962 بفوج المشاة، إلا أنني كنت أمارس التصوير وبعد أن استهويت أحد الضباط السامين، كلّفت بأن أكون مصورا بوحدات الجيش، حيث كنت أصطحبها في الدوريات والخرجات التي تقوم بها. ويواصل حديثه حول هذه الخطوة ''أردت حينها أن أرسخ الكثير من الحقائق حول هذه الحرب العبثية''، مضيفا ''لقد قدمت إلى الجزائر بفكرة أن هذه الحرب التي كنا نخوضها خاسرة وقد قمت بأخذ أكثر من 20 ألف صورة عن الواقع الجزائري، في وقت كان ضباط فرنسيون يؤكدون لنا: ''لقد انتصرنا في فترة ما يعرف ''إحلال السّلام''، بينما كنا نشاهد بأن قرى بأكملها كانت تمحى من الخريطة، وكان الهدف الاستيراتيجي المعلن هو عزل السكان عن الثوار وقد كان هؤلاء السكان والأهالي مجبرين على إعادة بناء منازلهم حول المواقع العسكرية في محاولة لإفراغ القرى والمداشر المتواجدة بالجبال وبالتالي عزل السكان عن الثوار''. ويشير مارك غرانقير ''لقد لمست نبرة الاحتقار والازدراء لدى الضباط الفرنسيين، حيال السكان الجزائريين وخاصة النساء، حيث طلب مني تصويرهم لإثبات الهوية وكانوا يعتبرونهم حيوانات، إلى درجة أن فكرة إبادتهم لم تكن تؤرّقهم. وعن كتابه ''النساء الجزائريات'' قال مارك غرانقير ''لقد قمت بالتقاط 10 آلاف صورة لجزائريين، خاصة للنساء ولكنني حاولت دائما أن أعكس حقيقتهم وقرّرت أن أجمعها في كتاب، لأبين حقيقة هذا الشعب الذي كان يمتلك أنفة وكينونة ووجود، وكان عرضة لحرب غير مقبولة، كنت أستوحي عملي من ذلك الذي قام به المصور الأمريكي إدوارد كورتيس، الذي حاول رد الاعتبار للهنود، الذين حاول الرجل الأبيض إبادتهم، لقد أردت أن أكون شاهدا على المجازر والظلم الذي لحقوا بالشعب الجزائري من فرنسا فضلا عن إعادة الاعتبار ولو لجزء من الكرامة للنساء الجزائريات، اللائي كن ضحية خطاب عنصري غير معقول، وكنت شاهدا على هذا الخطاب العنصري حولي في أوساط الضباط بالخصوص''. ولاحظ غرانقير ''في أوساط ضباط الجيش كان هنالك استعداد لإبادة الجميع لأن من كان أمامهم يعتبرون وحوشا لا آدميين. كنت شابا أبلغ من العمر 25 سنة وشاهدت وأخذت صورا لأشخاص قتلوا برصاصة في القلب، تيقنت حينها أنه اغتيال وقتل وإجهاز لمحاربين، ناهيك عن التعذيب''. وبعد مرور 50 سنة طلبت مني صحيفة ''لوموند''، بأن أعود لنفس المواقع، لاستحضار الأحداث والالتقاء بالعديد من الشهود وكان ذلك، فلقد وجدت شهود عيان أحياء استقبلوني واحتضنوني، وأعدت شريط الصور معهم وكأن التاريخ يعيد نفسه. وخلص مارك غرانقير بالقول ''كانت الحرب عبثية وحتى الجنرال ماسو قبل وفاته اعترف ''كل ذلك كان يمكن تفاديه، لقد كان هنالك انحراف كامل لهذه الحرب''.