لماذا لم يحصل أي كاتب يكتب باللغة الفرنسية، إفريقيا كان أو مغاربيا أو عربيا على جائزة نوبل للآداب منذ أن أخذ هذا الأدب بهذه اللغة يعرف مجده، يعود ذلك إلى سنوات الخمسينات من القرن الماضي؟ يسكنني هذا السؤال ويحيرني منذ سنوات، وبالأحرى منذ 1999حين بدأ الحديث عن ترشيح الروائي الجزائري محمد ديب لجائزة نوبل للآداب، ومات محمد ديب العام 2003 ولم يحصل من هذا التتويج أي شيء، وتعمق السؤال أكثر حين بدأ الحديث عن ترشيح آسيا جبار لهذه الجائزة في الخمس سنوات الأخيرة، وكالعادة لا شيء سوى بعض الفرقعات الإعلامية هنا وهناك ثم تنتهي بمجرد أن تذهب الجائزة لصاحبها أو صاحبتها ليعود الحديث وبذات النغمة وفي الأوساط نفسها في الدورة اللاحقة. لماذا إذن لم يحصل كتابنا بالفرنسية على جائزة نوبل للآداب حتى الآن مع كل ما نقرأه عن أن بعضهم ترجم إلى اليابانية وإلى لغات الوقواق وهو يوزع في بعض الدول عددا من النسخ تفوق عدد سكان هذا البلد وتفوق عدد الناطقين بهذه اللغة؟ لا دور للسياسة في إقصاء هؤلاء الكتاب، فلا أحد يغضب إسرائيل، ولا أحد يغضب أمريكا أو ما جاورها... كما أن كتاب "الصف الأول" من الكتاب الفرنكوفونيين يدركون ويفقهون جيدا الحسابات السياسية التي تدير كواليس هذه المؤسسة ويحترمونها احتراما كبيرا بوعي أو بغير وعي. يعرفون ما الممنوع ويعرفون جيدا ما حدود المسموح به في إمبراطورية الأدب التي أصبحت صناعة وبورصات. سأطرح بعض الأفكار التي هي عبارة عن تخريجات شخصية تُسائل هذا الانشغال وتحاول الإجابة عنه: هل إن الأدب المغاربي والإفريقي المكتوب بالفرنسية، والروائي منه على وجه الخصوص، لم يرق إلى مستوى جماليات النصوص التي كتبها الحاصلون على جائزة نوبل بالفرنسية من الفرنسيين؟ إذ للعلم حصل كثير من الفرنسيين على هذه الجائزة آخرهم لوكليزيو. لماذا لم يحصل هؤلاء الأدباء المغاربيون والأفارقة على جائزة نوبل مع أنهم يكتبون بلغة (أي الفرنسية) ورثوها من الاستعمار، في حين حصل كتاب ورثوا اللغة الإنجليزية من الاستعمار على هذه الجائزة؟ هل إن الكتابة بلغة كاللغة الفرنسية أصبحت كتابة تشبه الكتابة بلغة محلية هامشية مقارنة مع الإنجليزية والألمانية والصينية واليابانية؟ هل الكِتَاب باللغة الفرنسية وخاصة الفرنكوفوني منه (أي الذي يكتبه غير الفرنسيين) يعرف عطبا ما في الترويج والتوزيع والترجمة؟ هل الكُتّاب المغاربيون والأفارقة الذين يكتبون بالفرنسية لم يتحرروا من عباءة الأب وبالتالي كتاباتهم لم تؤسس لشخصية جمالية معينة؟ هل الأدباء المغاربيون بالفرنسية حصل معهم ما حصل للغراب فلا هم أحسنوا مشية الحمامة التي قلدوها ولا هم يمشون مشية الغراب، مشيتهم الأصل؟ أي بمعنى آخر هل فقد هؤلاء الكتاب حرارة محليتهم التي هي وحدها منبع الإبداع وهي هاجسه وناره وفي المقابل أخفقوا في الانخراط في بنية العقل الإبداعي الفرنسي، وليس باستطاعتهم ذلك حتى وإن رغبوا في ذلك؟ حين يذكر الأدب الفرنكوفوني الإفريقي الأسود يذكر على رأسه الشاعر ليبولد سيدار سنغور، فهو شاعر الصف الأول، صاحب نظرية الزنوجة، وكان عضو الأكاديمية الفرنسية، بغض النظر عن مواقفه السياسية، إلا أنه لم يحصل على نوبل للآداب، في حين حصل عليها ثلاثة كتاب أفارقة سود يكتبون باللغة الإنجليزية وهم على التوالي: ويلي سويينكا Wole Soyinka وهو مسرحي وروائي وشاعر من نيجيريا كان ذلك العام 1986، ثم الروائية الجنوب - إفريقية نادين غورديميرNadine Gordimer التي حصلت عليها العام 1991 ، ثم الكاتب الجنوب-إفريقي جون ماكسويل كوتزي John Maxwell Coetzee العام 2003. و إذا كانت جائزة نوبل قد توجت الروائي نجيب محفوظ العام 1988 تعبيرا عن تطور في الأدب الروائي العربي، فإنها تناست روائيين من عيار إبداعي كبير يبدعون بالفرنسية وينتمون إلى العالم العربي ك: محمد ديب وآسيا جبار والطاهر بن جلون وأمين معلوف . ما في ذلك شك، هناك مشكل ما في الأدب المغاربي والإفريقي المكتوب بالفرنسية، فعلى الرغم من بعض الدعم الإعلامي الذي يحظى به والترجمات التي تنقله إلى لغات أخرى إلا أنه ظل أدب استهلاك موسميا، وربما يعود ذلك إلى تقلص إشعاع اللغة الفرنسية والآداب التي تكتب بها أمام ما يكتب في هذا الزمن، من رواية وشعر في لغات صعدت فجأة كالصينية واليابانية والكورية والتركية وأصبحت تدهش بكتاب أصبحوا عملة صعبة وبورصة عالمية من أمثال مو يان Mo Yan أو جاوو كسينغجيان Gao Xingjian هاروكي موراكامي Haruki Murakami أو أورهان باموك Orhan Pamuk. تلك أسئلة، كثيرا ما تراودني وأنا واحد من هؤلاء الكتاب الذين يكتبون بهذه اللغة التي نشرت بها ثماني روايات هي : غفوة الميموزا، Sommeil du mimosa ، الخنوع La Soumission ، الغزوة La Razzia، حارة النساء Haras de femmes ، ناس العطور Les gens du parfum ، وليمة الأكاذيب Festin de mensonges ، غرفة العذراء المدنسة La Chamabre de la vierge impure وآخرها اليهودي الأخير في تمنطيط Le dernier juif de Tamentit، وللحديث بقية.