ما الذي قدمه الضباط الفارون من الجيش الفرنسي للثورة الجزائرية؟ وما الذي قدموه لمرحلة ما بعد استرجاع السيادة؟ وهل حقا كانوا يدافعون عن المصالح الفرنسية في المغرب العربي؟. أولى جرائم "ضباط فرنسا" من بين التهم الموجهة للعقيد محمد شعباني في المحكمة التي كان الشاذلي بن جديد عضوا فيها هي"وقوفه ضد الفرانكفونية أو ما يسمى بالضباط الفارين من الجيش الفرنسي" أو ما يسمى بحزب فرنسا في الجزائر الذي كان يسمي شعباني أصحابه ب"القوة الثالثة" وقد طالب في مؤتمر جبهة التحرير الوطني لعام 1964 بتحرير الإدارة وتنظيف الجيش منه، فلماذا تجنب الشاذلي بن جديد الحديث عن من أعدم شعباني وهو ضابط من هؤلاء الفارين من الجيش الفرنسي. يقول مهدي الشريف (أول أمين عام لأركان الجيش الجزائري والذي منع بث حوار معه في إحدى القنوات الخاصة) "بعيد الاستقلال مباشرة اكتشفنا عيون فرنسا وسط الجنود والضباط الذين أدخلهم عبد القادر شابو (الأمين العام لوزارة الدفاع) وهو أيضا من الضباط الفارين" وأن العقيد شعباني تمسك بولايته لأنه اكتشف أن زرقيني سيخلفه وهو من ضباط فرنسا، وأن عضوا منهم صار في المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني. والمفارقة أن العقيد شعباني رفض وضع غماضة على عينيه أثناء إعدامه، وعند إطلاق النار عليه أصيب في رجليه برصاص الفرقة وفي هذه الحالة يفترض ألاّ يُعدم بعد ذلك، لكن قائد فرقة الإعدام السيد مصطفى السايس وهو من ضباط فرنسا أجهز عليه برصاصتين فأرداه قتيلا، وهو اليوم يعيش في فرنسا بجنسية فرنسية (الخبر 20 / 01 / 2012م) ويكشف مهدي عن "اجتماع للرئيس الفرنسي شارل ديغول بالباشاغات والقياد في 13 ماي 1958م بقصر الإيليزي حيث اخبرهم بأن فرنسا ستخرج من الجزائر، وطلب منهم تحضير أنفسهم وأبنائهم لتولي قيادة الجزائر من خلال التسرب داخل الثورة، وعاهدوه على ذلك" (المصدر نفسه). والحقيقة التي لا تقال عن هؤلاء الضباط هي أنهم من أبناء هؤلاء الباشاغات، تلقوا تعليمهم في المدارس الفرنسية ثم التحقوا بالجيش الفرنسي وحاربوا إلى جانبه ونالوا رتبا عسكرية لقاء هذا التفاني في خدمة فرنسا، وحين التحقوا بالجزائر لم يطلق أغلبهم رصاصة واحدة ضد العدو الفرنسي، ولم تصدر السلطات الفرنسية مذكرات توقيف في حقهم، والكثير منهم ما يزال يتقاضى راتب التقاعد من الخزينة الفرنسية، وهو ما جعل العقيد شعباني يوصى بأن يدفن في مسقط رأسه ب(أوماش) ببسكرة أو يدفن بالقرب من قبر الفاتح عقبة بن نافع، بعد أن هؤلاء الضباط سيقومون بتصفيته. يقسم الدكتور عبد الحميد براهيمي الضباط الفارين من الجيش الفرنسي إلى ثلاث فئات: أ- فئة من انضموا إلى جبهة التحرير ما بين 1958 - 1959م ومنهم عبد القادر شابو، وسليمان هوفمان وخالد نزار والعربي بلخير وسليم سعدي وعبد المالك. ب- فئة من انضموا إلى الجبهة عام 1961م ومنهم محمد العماري ومحمد تواتي وسليمان بوشوارب. ج- فئة من انضموا الى الجبهة بعد الاستقلال ومنهم العقيد جبايلي والرائد بوراس( كتاب في أصل الأزمة الجزائرية، ص 91). ويؤكد الدكتور براهيمي أنه كان وحيدا في لجنة أنشأها بومدين في ثكنة علي خوجة لحل مشاكل البلاد موضحا بأن العقيد هواري بومدين "أسند مناصب أساسية للفارين من الجيش الفرنسي، حيث عين عبد القادر شابو أمينا عاما لوزارة الدفاع وأحمد بن شريف قائدا للدرك الوطني، ولحبيب مديرا للموظفين، وسعيد آيت مسعودان مديرا للطيران، إلى جانب إسناد مهام عديدة بالوزارة لكل من سليمان هوفمان وسليم سعدي وعبد الحميد لطرش ومصطفى شلوفي وغيرهم"(المصدر نفسه، ص 90). تحالف ضباط فرنسا لكن ما الجديد في مذكرات الرئيس الشاذلي بن جديد؟ الجديد فيها هو كشفه عن التحالف بين هؤلاء الضباط على مستوى المغرب العربي، وظهر ذلك جليا "أثناء تشييع جنازة عبد القادر شابو الذي مات في حادثة مروحة في أفريل عام 1971م، فقد بكاه الجنرال المغربي أوفقير المنحدر من الجيش الفرنسي ب(دموع حارة)، ويشير الشاذلي إلى وجود "معلومات عن تنسيق بين أوفقير وشابو وجنرال تونسي خدم هو الآخر في الجيش الفرنسي لتنظيم انقلابات في بلدان المغرب العربي برعاية من فرنسا وكان هذا المسعى يندرج في خطة مدروسة وبعيدة المدى لحماية المصالح الفرنسية في المنطقة"(المذكرات، ص 255)، وحتى اللجنة المختلطة التي توجت لقاء بومدين بالحسن الثاني في مدينة إفران يوم 27 ماي 1970م ترأسها عن الجانب الجزائري محمد زرقيني وعن الجانب المغربي أوفقير وكلاهما من الضباط الفارين. وإذا كان انقلاب أوفقير قد فشل في المغرب، وأن من أوقفوا المسار الديمقراطي في جانفي 1992م قد فشلوا في إدارة السلطة في الجزائر فإن محاولات التغيير في تونس لصالح فرنسا قد فشلت هي الأخرى. إن الحقيقة التي يريد هؤلاء الضباط إخفاءها هي أنهم لم يستطيعوا أن يحققوا تطلعات فرنسا في المغرب العربي وهي الهيمنة على خيرات البلاد مما جعل فرنسا تتخلى عنهم، ويكفي أن جنرالا منهم طلب المساعدة من السفارة الفرنسية في الجزائر لتوقيف المسار الانتخابي لكنه لم يجد أي دعم، مما دفعه إلى إنشاء معتقلات للجزائريين في الصحراء، ويكفي أن فرنسا رفضت أن يكون أحد ضباطها رئيسا للجزائر، فهل انتهى دورهم أم أن أبناءهم قد استخلفوهم؟. هناك محاولات إعلامية لتشويه (ضباط سامين) بوزارة الداخلية بهدف تمرير مشاريع مشبوهة حسب ما ورد في رسالة رفضت إحدى الصحف نشرها ويتوقع رفع قضية ضد الجريدة التي تسوق لضباط فرنسا على حساب ضباط نزهاء.