جاءت القمة الفرنكوفونية ال14 التي شهدتها العاصمة الكونغولية كينشاسا أخيراً، في وقت تحاول فرنسا هولاند أن تعيد زخمها المفقود في أفريقيا، وتغيير معادلات الصراع التي تتصاعد في مالي والكونغو الديموقراطية، إضافة إلى مساعدة الديموقراطيات الناشئة في هذه القارة. انتهت قمة الفرنكوفونية التي تضم في عضويتها قطاعاً معتبراً من الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية، إضافة إلى المجتمعات الناطقة بالفرنسية كلغة رسمية غير اللغة الأم، إلى سلسلة من التوصيات التي تبقى جدواها مشروطة بالتطبيق العملي. ويعود وضع مصطلح الفرنكوفونية إلى الجغرافي الفرنسي أونيسيم روكلو، وقد حدده العام 1880 بأنه مجموع الأشخاص والبلدان التي تستعمل اللغة الفرنسية. فرنسا هولاند تحاول استعادة صورة ناصعة لفرنسا في الوعي الجمعي الأفريقي، خصوصاً بعد دعوته من العاصمة السنغالية دكار عشية افتتاح القمة ال14 إلى «المصارحة بكل شيء من دون تدخل في الشؤون الداخلية». وفي سياق متصل، فإن ثمة أهدافاً ابتغتها فرنسا من وراء تلك القمة، أولها رغبة هولاند الذي لم يهمس في خطاب تنصيبه منتصف أيار (مايو) الماضي ولو بكلمة واحدة في أذن القارة السمراء، في تطييب الخاطر الإفريقي، إذ اكتفى وقتها بالقول إنه سيقف بجانب جميع المناضلين من أجل الديموقراطية والحرية في العالم، وثانيها السعي إلى دور تطمح إليه فرنسا هولاند في لحظة تهتز فيها السياسة الأميركية في القارة السمراء وتخسر مقداراً من نفوذها الذي صار أحادياً منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وثالثها ترقيع خطيئة نيكولا ساركوزي في السنغال العام 2007، حين قال إن «الإنسان الأفريقي لم يدخل التاريخ بعد، ولا يزال يعيش وفق إيقاعات المواسم». والأرجح أن الرصيد التقليدي لفرنسا في أفريقيا سجل تآكلاً ملحوظاً طوال الأعوام التي خلت، كشفته مناخات الجفاء بين دول القارة وفرنسا. لذلك بدا سلوك الأفارقة تجاه القمة الفرنكوفوانية الجديدة مشوباً بالحذر والقلق في آن واحد، وهو الأمر الذي لا تخطئه عين ولا حتى عين فرنسوا هولاند نفسه، إذ عانت العلاقات الأفريقية الفرنسية جموداً طوال عهد ساركوزي، فلم تتجاوز الاستثمارات أكثر من 1،5 في المئة من مجموع الاستثمارات الفرنسية في الخارج، وانخفضت مساهمة البنوك الفرنسية في النظام البنكي الغرب أفريقي من 80 في المئة إلى 33 في المئة، وهكذا تحولت العلاقات إلى طقس احتفالي. صحيح أن هولاند ورفاقه تعهدوا في التجمع الفرنكوفوني انتهاج سياسة جديدة إزاء القارة السمراء تقوم على الشفافية في العلاقات الاقتصادية، واليقظة إزاء تطبيق القواعد الديموقراطية، إلا أن ذلك لم ينعش الأماني الأفريقية تجاه فرنسا الاشتراكية الجديدة. في هذا الاتجاه العام، اعتمد هولاند عدداً من المداخل لإعادة الزخم للتجمع الفرنكوفوني الذي تمثل أفريقيا عصبه الحساس، إذ تشير توقعات المنظمة إلى أن الأفارقة سيشكلون بحلول العام 2050 ما نسبته 85 في المئة من عدد الفرنكوفونيين في العالم. واستثمرت فرنسا هولاند التوترات في مالي والكونغو الديموقراطية التي باتت تشكل كابوساً أمنياً وعسكرياً للقارة. وكان بارزاً، هنا، تعهد هولاند العمل من أجل تحرير شمال مالي، رافضاً تهديدات «حركة التوحيد والجهاد» بفتح ما سمته أبواب جهنم على فرنسا ورعاياها إذا ما واصلت تدخلها في الأزمة المالية. كما سعت باريس إلى استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز التدخل العسكري ضد متمردي مالي.