تواجه حكومة رئيس الوزراء الليبي عبد الرحيم الكيب اختبارا صعبا أمام أول برلمان منتخب في تاريخ ليبيا منذ نحو ستة عقود، على خلفية التفجيرات الإرهابية التي وقعت مؤخرا في العاصمة الليبية طرابلس، ومدينة بنغازي ثاني كبريات المدن الليبية ومهد الانتفاضة الشعبية ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي، بينما تصاعد مسلسل هدم الأضرحة في مختلف المدن الليبية وسط صمت رسمي كامل. وقبل يوم واحد فقط من استجوابه، أعطى الكيب الإذن بالبدء في تنفيذ مشروع إزالة مقر إقامة القذافي في باب العزيزية في الذكرى الأولى لاقتحامه من قبل الثوار العام الماضي. وشرعت الجرافات الضخمة منذ مساء أول من أمس، في عملية الإزالة والهدم تمهيدا لإقامة نصب تذكاري للشهداء وحدائق عامة ومسارح وبيت للثقافة. وقرر المؤتمر الوطني العام (البرلمان الليبي) استدعاء الكيب بالإضافة إلى وزير الدفاع أسامة الجويلي بعدما خضع فوزي عبد العال وزير الداخلية لاستجواب قاس في جلسة سرية عقدها المؤتمر تجنبا لكشف الأسرار الأمنية. وهدد عبد الله جوان النائب عن مدينة زليتن بالاستقالة من عضوية البرلمان احتجاجا على ما وصفه بتقصير الحكومة الانتقالية في منع الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها المدينة والتي تخللها تدمير ضريح الشيخ عبد السلام الأسمر. وطلب جوان وفقا لما بثته وكالة الأنباء الرسمية استدعاء رئيس اللجنة الأمنية في زليتن، وآمر لواء ثوار زليتن، ورئيس المجلس العسكري، والمجلس المحلي، ووزير الداخلية، لمساءلتهم عن عدم تدخلهم في يومين كاملين. ولا يوجد حتى الآن أي تفسير رسمي لما شهدته مدينة زليتن التي تقع على بعد 250 كيلومترا شرق العاصمة طرابلس؛ حيث أقدم متشددون على هدم ضريح الشيخ عبد السلام الأسمر، الذي يعتبر من أهم المزارات الدينية في ليبيا ومنطقة شمال أفريقيا. وقال منفذو الهجوم إن مجموعات موالية للقذافي تستغل الضريح في ممارسة السحر والشعوذة. وزاد من غموض الموقف امتناع الشيخ الصادق الغرياني مفتي البلاد عن التعليق على هذه الأحداث التي يقول شهود عيان إنها تمت على ما يبدو بموافقة الحكومة، حيث كانت سيارات ومعدات بعض الأجهزة الأمنية تشرف على عملية الهدم. وطبقا للرواية التي قدمتها اللجنة الأمنية العليا في المدينة، فإن مجموعة من أتباع القذافي المطلوبين للعدالة قامت بالتجمع مساء الخميس الماضي، أمام مقر المجمع الإداري في المدينة وهم مدججون بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة وتمركز قناصة منهم فوق المباني المرتفعة. وقالت اللجنة في بيان أصدرته أمس وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن من أسمتهم بالأزلام قاموا بإطلاق النار عشوائيا لترويع السكان وأحرقوا لوحات أسماء الشهداء بميدان 9 يونيو (حزيران) مما استلزم التصدي لهم من قبل الثوار، مشيرا إلى مقتل ثلاثة من الثوار وإصابة عدد آخر بجروح في هذه الاشتباكات. وأوضح البيان أنه من خلال الاشتباكات اتضح أن مجموعة من الأزلام قتلوا، وتم أسر بعض منهم وتبين لاحقا أنهم من المطلوبين الفارين إلى مدينتي بني وليد وترهونة بعدما تسللوا إلى زليتن لزعزعة الأمن فيها. وحول ما جرى في ضريح الشيخ الأسمر قال البيان، إن هناك مجموعة من الأزلام اختبئوا فوق مآذن المسجد الأسمري وأطلقوا النار على الثوار بالأسلحة الخفيفة وقذائف الآر بي جي، مما استدعى الرد عليهم، حيث تضرر المسجد نتيجة ذلك. وأشار البيان إلى أن مجموعات أخرى من زليتن وخارجها، شرعوا بعدها في هدم الضريح بصفة أنه يعبد من دون الله، معترفا بأن أضرارا قد لحقت بالمسجد جراء هدم الضريح بينما تعرضت الجامعة الأسمرية لأضرار طفيفة فقط. وقال شهود إن إسلاميين محافظين استخدموا قنابل وجرافة لهدم ضريح الشيخ الصوفي الذي يرجع للقرن الخامس في أحدث هجوم في المنطقة على مزارات يصفها البعض بأنها أوثان. وتحول الضريح إلى أنقاض حيث انهارت قبة الجامع بينما بدت المئذنة مليئة بالثقوب كما أضرمت النار في مكتبة تاريخية في جامع قريب بالإضافة إلى إتلاف آلاف الكتب. ونقلت وكالة «رويترز» عن عمر علي المسؤول في المجلس العسكري في زليتن قوله إن من أسماهم بالسلفيين المتطرفين استغلوا انشغال مسؤولي الأمن بفض الاشتباكات في المدينة وهدموا الضريح. وقال محمد سالم شيخ الجامع إنه غاضب لتدمير هذا المزار التاريخي والروحاني في ليبيا، مشيرا إلى أنه اضطر للفرار من مدينة زليتن قبل أسابيع بعد أن تزايدت تهديدات بقتله من جانب سلفيين يهددون بتدمير الضريح. وتصاعد مسلسل هدم الأضرحة في عدة مدن ليبية في توقيت واحد؛ حيث تم هدم ضريح سيدي الشعاب أحد أهم الأضرحة بالعاصمة طرابلس، الذي يقع في قلب المدينة أمام فندق المهاري. كما تحدث ناشطون وسكان محليون عن تدمير مقام سيدي أحمد زروق إمام المالكية في عصره ومقامه في مدينة مصراته ثالث أكبر المدن الليبية. *تعليق الصورة: عبد الرحيم الكيب رئيس الوزراء الليبي