صدر٬ مؤخرا عن منشورات دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر المغربية٬ العمل الإبداعي الثاني للشاعرة فتيحة النوحو موسوم ب"لن يستلنا العدم"٬ حيث الإصرار على الحياة ببهاء في مواجهة آفة الزمن وتشظي الذات والوجود. تنزع نصوص الديوان الثمانية إلى كتابة شعرية شذرية وتعبيرية مكثفة للمشاعر والدلالات٬ من خلال اقتصاد في القول الشعري٬ تواصل من خلالها الشاعرة والصحافية النوحو اجتراح وتأصيل تجربتها الإبداعية المتميزة التي أسست لها بديوانها "إليك أيها الظمأ كل هذا الارتواء"٬ حيث النزوع إلى البحث عن لغة وصوت أنثوي خاص٬ يعبق بالتوق إلى الحرية والامتلاء بألق الوجود، وفق قراءة للديوان بقلم عزيز المسيح بوكالة الأنباء المغربية. بتأملية عميقة منذورة للكشف٬ وبغنائية ذاتية داخلية تنشد السمو والتعالي على رتابة الوجود٬ تأسر النوحو القارئ بالتماعاتها الشعرية وبهاء كلماتها اليتيمة٬ لتشيد من خلالها عالمها وطقوسيتها الاحتفالية بالذات الأنثوية وجوهرها الإنساني الباذخ٬ في انكشافها الذي يفضح عهر اليومي وفضائحية السائد٬ لذلك يأتي صوتها كصلاة وابتهالات متصوفة منذورة للعشق والفناء٬ ولهذا نجدها تشدو في نصها "ناسكة القوس": "... ناسكة القوس ارتدي لأطياف الغيث واستعارات الضوء على جيد الغيد٬ اعتنقي أحمر الشفاه وهمس الأساور .. فكي وثاق القرط الأصفر٬ سبحي بأزرار المنامة الخضراء صوب البنفسج .. اسقطي عنك سبابة التلويح وتمرغي على فرو المطر الأزرق". من هذا الأفق٬ تهفو النوحو عبر بنيات شعرية ومعجمية ودلالية عشقية ووجودية إلى معانقة المطلق والفناء في أمداء الكون والتعطش للذهاب إلى أبعد التخوم٬ حيث الفكرة أوسع من الكلمة٬ مصرة على إعادة تشكيل دلالات الجسد ومعنى الحضور في العالم. في عملها الجديد "لن يستلنا العدم" تسعى النوحو إلى الحياة والانفتاح على كوة الضوء والنور الكوني٬ ملاذها الأثير لمواجهة أسئلة الكتابة وقلق الكائن ووحدته في مواجهة مصير التذرر والتشظي والعزلة الأبدية والجراحات والآلام والأحزان الداخلية٬ كل ذلك بانخطافات وشطحات صوفية مفتتنة باللغة مسراها الأثير إلى التعويض والتطهير والبوح والانصهار بالزمن الكوني والتعري من المبتذل والبؤس الطافح به الزمن الأرضي٬ ترتفع لوعتها في نص /دعيني لفتنتي/ متأججة مترفعة٬ لتحيلنا على هذا الأفق الأوسع : "... دعيني أسائل عنفوان الانفلات قليلا لعل زهوي يهمس لي بعبق المفردات ... دعيني أداعب غفوة الاشتهاء بعيدا لعل انخطافي يسبي ألق الافتتان". للتحليق في عوالم الروح والذات لاكتشاف المخبوء من مجاهلها وتفجير مغالقها تجترح النوحو لغة صوفية منذورة للكشف والمناشدات والابتهالات والتجليات والمقامات الروحية والبحث عن اللحظات العشفية والبوح والسفر نحو المجهول٬ واجتراح طقوسية تعبدية "... اسجدي بين الأزرق والليلك . فعطر خصري سبحة لظبيانك. غرناطتي في أي قدح سأبعث؟ ولأي دير ينذرني نبيذك ؟". تتفاعل قصائد النوحو في ديوانها الجديد مع اللوحات التشكيلية للفنانة نعيمة الملكاوي المقيمة في فرنسا لتشكل بنيات دلالية متواشجة من خلال رسومات إبداعية وتشكيلية تلامس نيران الذات المحترقة المتشظية الباحثة عن مطلقها الأبدي وحلمها في حياة قابلة لأن تعاش٬ بلغة وخطوط تتزاوج بعشق لتلد الغواية والتوق للمتسامي والمتعالي. كما شكلت ترجمة صوفيا شهاب لقصائد الديوان إلى اللغة الفرنسية انفتاحا على أفق إبداعي جديد ارتقى إلى حوار إبداعي نقل عوالم النوحو التي تجمع بين المفردة المعتقة الأصيلة والبنية الدلالية المنفتحة على الكتابة الحداثية في الصياغة والقول الشعري. ديوان (لن يستلنا العدم) دعوة لتصادي مشبوب بين الحب والحلم والحرية والحياة٬ استدعاء وسفر في المجهول لاستعادة الوجود في أبهى حلته الحلمية. حين لا يتبقى لنا شيء سوى اللغة٬ نلوذ بفتنتها وحنوها وحنانها سعيا لإعادة إضفاء المعنى والبهاء على وجودنا الأسير٬ ذلك ما هفت إليه النوحو في نصها الشعري الجديد ... وهي تطل علينا من كوة عالمها لتقول : "ما أحلاني باللغة البهية السحرية ولها....وما أيتمني بدونها ألما ...". *تعليق الصورة: غلاف الديوان.