لم تعلق المصادر الرسمية الإسبانية على خبر احتمال تعيين وزير الخارجية الحالي، ميغيل أنخيل موراتينوس، سفيرا لدى المغرب، خلفا للدبلوماسي، لويس بلاناس، الذي تحدثت تقارير عن قرب انتهاء مهمته في الرباط خاصة وقد تجاوزت الحدود الدبلوماسية المألوفة. هو مدين بتمديد بقائه في الرباط لأمرين: نجاحه في تطوير العلاقات بين البلدين و تجاوزه الأزمات العابرة بذكاء دبلوماسي، ومساندته من طرف رئيس دبلوماسية بلاده، الذي عرف مؤهلات بلاناس منذ أن كان، مسؤولا رفيعا في حكومة إقليم الأندلس. ويبدو أن دوائر القرار في إسبانيا، لم تول النبأ مصداقية وتركته عائما يسبح في بحر الإشاعة ،مثلما لم يتناوله بالتحليل أي منبر إعلامي ذي مصداقية. و لوحظ أن يومية مغربية متخصصة في الشأن الاقتصادي، أعادت يوم الخميس الماضي، نشر الخبر الذي بات يحتمل الصدق والكذب، كما يقول البلاغيون، علما أن المطبوعة المغربية الرصينة اعتادت التحري في مصادر أخبارها، ما جعل المراقبين يتساءلون بجد عن درجة صحة النبأ الذي يسري في ظرف تجتاز فيه العلاقات المغربية الإسبانية حالة من "الفتور" الصامت، ليخلصوا إلى الظن أنه لا دخان بلا نار. ويسود اعتقاد مفاده أن مدريد لا يمكن أن تسرب أو توحي بخبر إبعاد موراتينوس،عن وزارة الخارجية ،قبل أن يلتحق السفير المغربي المعين، أحمدو ولد سويلم ، بمقر عمله في مدريد، كما أن تغيير رئيس الدبلوماسية، يستتبع إجراء تعديل على الحكومة الاشتراكية الحالية، وهذا أمر وارد في ظل الأزمة الاقتصادية العصيبة، وقد تعالت أصوات في الحزب الحاكم والمعارضة منادية بتقليص أعضاء الفريق الحكومي توفيرا للنفقات.. ولم يعطل إجراء التغيير الحكومي، غير فترة الرئاسة الإسبانية للاتحاد الأوروبي التي تنتهي مع متم الشهر الجاري،تنصرف بعدها إسبانيا إلى أمراضها الداخلية. وإذا ما تأكد سيناريو التغيير الحكومي، بغاية التجاوب مع المناداة بالاقتصاد في النفقات العمومية، ما يعني تجميع وزارات في بعضها، فإن قطاع الخارجية، سيستثنى في الغالب من الإجراءات التقشفية الصارمة. قد يخلي الوزير موراتينوس ، مكتبه لقادم جديد. فمن يكون الخلف؟ ينبغي التذكير في هذا الصدد، أن النية في استبدال، موراتينوس، ليست جديدة، بل كثر الهمس المتكرر عن الموضوع، خلال ولاية الحكومة الاشتراكية الأولى ، بعد أن نال الوزير نصيبا وافرا من هجوم المعارضة اليمينية (الحزب الشعبي) التي تضايقت من حدة لسان موراتينوس، في الرد عليها وانتقاد عهدها في الحكم، ما جعلها تطالب برأسه، مرات كثيرة وتعتبره عرقلة في سبيل أي تعاون، يرتفع لغطها عندما تسجل عليه بعض الهفوات أو الإخفاقات الدبلوماسية، لدرجة أن تقارير، في وقتها رجحت اقتناع رئيس الوزراء، خوصي لويس ثباطيرو، بالتخلي عن أحد العشرة الذين أشرفوا إلى جانبه على برنامج الحملة الانتخابية التي أعادت الاشتراكيين إلى قصر "لامنكلوا" في مدريد عام 2004 . وحينما انتصر الاشتراكيون في الانتخابات التشريعية ثانية عام 2008، أجمع المحللون أكثر من أي وقت،على أن، موراتينوس، سيكون أول المغادرين للحكومة، وأن خلفه جاهز، وهو بدوره ليس غريبا على الخارجية ، فقد عمل إلى جانب الوزير ككاتب للدولة. لكن المفاجأة تكررت واحتفظ، ثباطيرو، بوزير خارجيته. لكنه بموازاة ذلك عمد إلى ترقية، برناردينو ليون، إلى درجة الأمين العام لرئاسة الحكومة، وهو المنصب الذي يشغله لغاية الآن. انطلقت التكهنات من جديد متحدثة عن تراجع دور موراتينوس، في تدبير ملفات السياسة الخارجية، التي آلت بشكل أو بآخر إلى برناردينو، الذي أصبح مجاورا لمكتب رئيس الحكومة في قصر "لا منكلوا". أثبتت مجريات الأحداث فيما بعد أن، موراتينوس، لم يفقد كامل صلاحياته، ولا ثقة رئيس الحكومة فيه، لتتناسل الإشاعات من جديد وقد هيأت هذه المرة، مرشحا جديدا لشغل ذات المنصب، يتوفر على المواصفات المطلوبة. يتعلق الأمر بالسيدة، ترينيداد خيمنث، وزيرة الصحة الحالية، التي تم ترفيعها بعد أن شغلت منصب كاتبة الدولة في الخارجية لشؤون أميركا الجنوبية. وهي معروفة بصلاتها الوثيقة برئيس الحكومة، وأمين عام الحزب الاشتراكي العمالي، فقد تولت الإشراف إلى جانبه ولمدة طويلة على ملف العلاقات الخارجية في قيادة الحزب، ومعروف أنها محل ثقته، كما تروج أخبار بخصوص مرشح ثالث من مؤسسة الخارجية نفسها. وما دام كل شيء متوقعا في السياسة، فإن تعيين وزير خارجية سابق، في منصب سفير، لا يعني الانتقاص من قدره أو عقابا وإبعادا له في الأنظمة الديمقراطية، بقدر ما يضطر إلى اللجوء لهذا "الاحتياطي" في بعض التعيينات، إكبارا لتجربة الوزير السابق وتعبيرا عن أهمية تكتسيها العلاقات مع البلد الذي سيعين فيه. وجدير بالذكر في هذا السياق أن إسبانيا، مثل المغرب، انتقيا دائما وبعناية، لوظيفة السفير في مدر يد والرباط، أحسن وأكفأ دبلوماسييهما، وأكثر من توالى منهم على المنصبين في العقود الماضية، كانوا وزراء وسفراء لدى عواصم مهمة أو من أركان وزارة الخارجية في البلدين. وتمشيا مع نفس القاعدة، فإن موراتينوس، يتوفر على كثير من المؤهلات لشغل المنصب المنتظر شغوره، إن لم يكن دون حجم تجربته الدبلوماسية الخصبة، أمضى جزءا منها في العاصمة المغربية نفسها، أواسط عقد الثمانينات من القرن الماضي، ما مكنه من الاتصال والتعرف على المشهد السياسي والاجتماعي وحتى الثقافي في المغرب الذي ظل يتردد عليه كثيرا، في إطار عمله الرسمي أو خلال إجازات خاصة. ويفترض في تعيين دبلوماسي من عيار موراتينوس أن مهام دقيقة وصعبة ستوكل إليه. سيكون عليه مثلا، أن يرتقي بمستوى العلاقات بين البلدين ويحميها من التدهور المفاجئ، عن طريق الإسهام في ابتكار الحلول المرضية لطائفة من الملفات والقضايا العالقة، بعضها مرحل من الماضي البعيد، مثل احتلال سبتة ومليلية وثغور أخرى متناثرة في البحر الأبيض المتوسط ،على مرمى حجر من اليابسة المغربية، ترفض إسبانيا الجلاء عنها، في عناد مناف للتاريخ والقانون والمنطق. هل بفهم من هذا، أن النظام الإسباني، حكومة ومعارضة وقصرا ملكيا، أدركوا أن ساعة الجد آتية لا ريب فيها مع المغرب، وبالتالي يكون من الحكمة استباق العواصف المنذرة، باختيار الدبلوماسي المناسب في المكان الذي يجب أن يكون فيه. إذا صح هذا الاستنتاج، فإن عودة، موراتينوس، لتمثيل بلاده في الرباط، ستعتبر اعترافا له بالجدارة وتتويجا لمسار خدمته، خاصة وأن مدريد تعلم مسبقا أن المغرب لن يعترض على سفير من طراز وزير الخارجية الحالي، بل سترى فيه مراهنة من الجارة الشمالية على المستقبل المتشابك بين البلدين. وفي مقابل هذا الرأي، يوجد من يروج أن، موراتينوس، أعطى كل ما عنده، ولم يعد، بحكم السن وأعباء المنصب، قادرا على الأفضل والأكثر، وبالتالي فإنه يهيئ لتقاعد مريح في المغرب.ويستدلون على ذلك بالقول إن قرار تعيين سفير في الرباط، لا بد وأن تتفق عليه الأطراف المؤثرة في رسم السياسة الخارجية، الظاهر منهاعلى الأقل أي الحزبيين الرئيسيين، الحاكم والمعارض والقصر الملكي. وهو اتفاق قبلي يضمن استمرار السفير في موقعه لمدة كافية، بحيث لن يكون مرهونا ببقاء الحزب الاشتراكي في الحكومة أو انتقاله إلى المعارضة، في أعقاب الانتخابات التشريعية التي يمكن أن تجرى قبل انتهاء الولاية التشريعية الراهنة في عام 2012. وسواء، وهو في الوزارة أو السفارة، فإن موراتينوس، لن يجد نفسه غريبا على الدارين.هو ابن الخارجية بامتياز، فيها بدأ وبفضلها حقق سجله الدبلوماسي الجيد، كما أن إقامته بين المغاربة ستذكره على المستوى الذاتي، بسنوات عيشه بالمشرق العربي: دبلوماسيا في سفارة بلاده، بتل أبيب، ثم سفيرا للاتحاد الأوروبي مكلفا بمتابعة ملف النزاع العربي الإسرائيلي. هناك أمضى سنوات من عمره، متنقلا بين العواصم العربية والدولة العبرية. قربته تجربة الوساطة بين المتصارعين من هموم العالم العربي. إذ يروى في هذا الصدد أن الرئيس الراحل حافظ الأسد، كان يستبقي، موراتينوس، لساعات يدردشان في السياسة والثقافة والتاريخ. معروف أن الوزير الإسباني ذو خلفية معرفية جيدة وعلى إطلاع واسع . أضحى، موراتينوس، خلال وجوده، بالشرق الأوسط، وجها مألوفا للمشاهدين العرب في الفضائيات، حتى أطلق عليه البعض نعت "لورنس العرب" رغم كل ما يحيط بهذا التشبيه من ألغاز والتباسات. وعلى أي حال، فإن رئيس الدبلوماسية الإسبانية، يواصل مهامه مطمئن البال، ربما لقناعته أن الأتي أفضل من الذي مضى، في مدريد أو الرباط.