اعتبر بلاغ للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر، العمليات العسكرية التي قام بها الجيش في سيناء، للقضاء على العناصر الإرهابية، بأنها بمثابة "عبور جديد" أعاد إلى الذاكرة أمجاد حرب اكتوبر عام 1973. ويأتي البلاغ الذي وصف أرض سيناء ب"الفيروز" في اعقاب تشييع جنازة ضحايا الاعتداء على موقع "رفح" الحدودي والتي لم يشارك فيها الرئيس المصري ،محمد مرسي، الأمر الذي اثار تساؤلات وانتقادات عدة ومن مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية، بل ذهبت تقارير إلى القول إن "خلافا" قويا نشب بين المؤسسة العسكرية والرئيس الذي انتخب في سياقات غير عادية، على خلفية ما حدث في سيناء وطريقة التعاطي معه. وتوحي اللغة التي كتب بها البلاغ العسكري المصري، وطبيعة حجم المعركة التي خاضها الجيش في سيناء بأسلحة متطورة، وعدم الرحمة في مطاردة الإرهابيين وإبادتهم بالقصف الصاروخي المركز؛ توحي أن الجيش أصبح الممسك الحقيقي بزمام السلطة في المجال الدفاعي والأمني وصيانة حدود البلاد وضمان استقرارها، وأن الرئيس مرسي، بحكم عدم تجربته في هذا المجال، بات "متفرجا" مراقبا لما يجري أمامه دون امتلاك قدرة على التأثير في الأحداث التي فاجأته ضراوتها، على الرغم من صفته الدستورية قاعدا أعلى للقوات المسلحة. ويضاف إلى هذا التطور الذي يصب في مصلحة القوات المسلحة المصرية، أن وسائل الإعلام المصرية والأجنبية، ألقت اللوم بشكل من الأشكال على الرئيس المصري الجديد وحملته المسؤولية المعنوية فيما حدث، كونه ارتكب عدة أخطاء منها تسرعه وإصداره عفوا في المدة الأخيرة على محكومين خطرين على خلفية ضلوعهم في قضايا الإرهاب في السنوات الماضية وهي الخطوة التي اعتبرتها "الخلايا الإرهابية والسلفيون المتشددون" بمثابة انتصار و فتح الأبواب على مصراعيها أمامهم، للإعلان عن أنفسهم بعنف وصلف وتهور غير مسبوق. وفي نفس السياق، وفي انتظار نتيجة التحقيقات الجارية، فإن تقارير أخرى اشارت بأصبع الاتهام إلى منظمة "حماس" المسيطرة على قطاع "غزة" وحملتها جانبا من مسؤولية ترك العناصر الإرهابية تتحرك بحرية في القطاع وتتسل وقت ما أرادت، عبر المعابر والأنفاق الكثيرة، مدججة بالأسلحة التي تحصل عليها من السودان وليبيا وحتى من داخل مصر ذاتها. وتحسبا لأية مفاجئات، قررت القوات المسلحة إغلاق المنافذ والمعابر كإجراء وقائي، إلى حين اتضاح صورة ما وقع. وهو إجراء يصعب على الرئيس مرسي أن يقبله لأنه يعتبر قطاع غزة جزءا من إمارة إسلامية ممتدة، يحلم الأخوان المسلمون بإقامتها في شرق وغرب الوطن العربي. وفي هذا الخضم، كانت زيارة خالد مشعل وإسماعيل هنية لمصر، غاية في التسرع حسب مراقبين، مهما كانت الدوافع لها، فقد فسرت محليا وإقليميا على أنها إعلان عن محور إسلامي جديد اسمه "القاهرةغزة". يصعب التنبؤ بما ستسفر عنه التطورات الجارية في مصر، ولكن ذلك لا يمنع من القول إن المؤسسة العسكرية، تمتلك الآن أوراقا إضافية، تعزز قدرتها القتالية في الميدان السياسي، وترسخ دورها كلاعب رئيس في المشهد المصري المتحرك، في مقابل تخبط مؤسسة الرئاسة المدنية وعدم وضوح الطرق أمامها. وإذا لم تتصرف بحكمة وحنكة سياسية، فإن الأوضاع قد تعود إلى نقطة البداية بل قد تقود إلى استعادة الجيش للصلاحيات المحدودة التي تنازل عنها للرئيس بمقتضى الإعلان الدستوري الانتقالي. لقد تدربت المؤسسة العسكرية على العمل السياسي ومناوراته مع رحيل مبارك عن السلطة، وصار لها أنصار ومؤيدون في الأوساط المدنية والشعبية ظهر حجمهم في الانتخابات الرئاسية، وبالتالي فإنها ستعرف كيف ستدير المعركة مع "الإخوان المسلمين". ليس المشهد غريبا تمام الغرابة عن أجواء يوليو 1953. *تعليق الصورة: محمد مرسي