القرار الذي اتخذته الحكومة بالزيادة في أسعار المحروقات سيثير العديد من الأسئلة عن مبررات الزيادة وتوقيت الإعلان عنها، والتداعيات السياسية والاجتماعية المرتبة عن ذلك. جواب الحكومة قدم الاعتبارات الاقتصادية والمالية التي دفعت إلى اتخاذه في هذا التوقيت وليس قبله، وفسر بوضوح الأسباب التي جعلته مفاجئا. فقد أرجع السيد وزير الشؤون العامة والحكامة الأمر إلى الثقل الذي يشكله استمرار الدعم بهذه الوتيرة في ظل الظرفية الاقتصادية المحكومة بارتفاع أسعار النفط، والذي سيؤدي إلى استنزاف موارد صندوق المقاصة قبل متم شهر يوليوز القادم، واثر ذلك على مالية الدولة وعلى الاستثمار، كما عزا التصريف الزمني للقرار بمنع أي محاولة للاحتكار أو المضاربة التي يمكن أن تؤدي إلى ارتباك في أسعار النفط والمواد الاستهلاكية. لا شك أن جواب الحكومة من الناحية الاقتصادية يجد بعض تبريره في المعطيات الرقمية، فأسعار النفط وصلت في الستة الأشهر الأولى من سنة 2012 إلى ما معدله 118 دولارا، وصندوق المقاصة قارب على استنزاف 80 في المائة من مخزونه في شهر ماي، ومعنى ذلك، أن انتهاء المخزون سيجعل الخيارات مفتوحة على تحرير كل الأسعار أو ضخ مبالغ إضافية في صندوق المقاصة، تماما كما فعلت حكومة عباس الفاسي حين قررت إضافة 15 مليار درهم لدعم صندوق المقاصة سنة 2011. مؤكد ألا أحد يستطيع تحمل الخيار الأول المتعلق بتحرير أسعار النفط مثلا، لأن تداعياته ستكون كارثية على القدرة الشرائية للمواطن، إذ يمكن أن نرى أسعارا خيالية تزعزع الاستقرار الاجتماعي. كلفة الخيار الثاني، معناه إضعاف مالية الدولة المتأثرة أصلا بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، وإضعاف الاستثمار، ومعناه أيضا الارتهان إلى نفس المنظومة التقليدية في التعاطي مع ارتفاع أسعار النفط عالميا، فارتفاع هذه المبالغ من 17 إلى 32 إلى 50 مليار، وربما إلى 60 مليار درهم ، يكشف خطورة الاستمرار في المسار. ومع أن المعطيات الاقتصادية مقنعة، إلا أن المشكلة لا تكمن في أرقامها وحيثياتها، فالكل اليوم مقتنع بضرورة إصلاح صندوق المقاصة، وبأن اللجوء إلى مزيد من الدعم يربك مالية الدولة ويضعف قدرتها على الاستثمار والاستفادة من ثماره. المشكلة في جوهرها تكمن في السياسية التي ستعتمدها الحكومة لمواجهة الآثار الاجتماعية التي يمكن أن تترتب عن هذا القرار، والأولويات التي كان يمكن أن يأخذها مسار إصلاح صندوق المقاصة، وهل كان ضروريا أن يتم البدء بهذه الخطوة مع ضرورتها، أم كان الأفضل أن يتم إدراج هذا القرار ضمن حزمة إصلاحات، تكون فيها إجراءات حماية القدرة الشرائية متزامنة أو سابقة لقرار الإعلان عن القرار، ومسبوقة بفتح حوار وطني مع كافة الأطراف المعنية حتى يتم استيعاب الآثار المحتملة لهذا القرار. الوقائع تؤكد بأن أثر القرار لم ينتظر ما ستقوم به الحكومة من إجراءات لحماية القدرة الشرائية، فقد ارتفعت أسعار النقل العمومي غذاة الإعلان عن القرار في بعض المناطق، ومؤكد أن مسلسل ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية سيكون تابعا لارتفاع كلفة النقل، مما يعني أن المواطن الفقير الذي لا يستفيد من الدعم المقدم للمحروقات سيكون بشكل أو بآخر المتضرر الأول من زيادة المحروقات. فإذا كانت إكراهات مالية الدولة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، والثقل الكبير الجاثم على صندوق المقاصة قد أوصل الحكومة إلى نقطة اللاخيار إلا الرفع من أسعار المحروقات، فإن الجواب عن التداعيات الاجتماعية لهذا القرار يتطلب خطة إصلاحية شاملة لمنظومة صندوق المقاصة، مسبوقة بحوار وطني يدمج كافة الأطراف فيه، تتضمن حماية القدرة الاستهلاكية للمواطن عبر تحديد المعايير المرجعية للأسعار والضرب بحزم على يد المضاربين الذين يستثمرون مثل هذه الظرفية. إن الحاجة إلى إصلاح شامل لمنظومة المقاصة ليس مطلبا اقتصاديا وماليا فقط، بل هو حاجة اجتماعية بالدرجة الأولى، لأنه ما لم يتم الفرز الدقيق للفئات التي تستحق الدعم، وإنهاء مسار من استغلال هذا الصندوق من قبل الشركات الكبرى التي تحقق أرباحا كبيرة، ومن الفئات غير المحتاجة أصلا، فإن قرارات مثل هذه ستكون مكلفة اجتماعيا، بل ربما تكون لها كلفتها السياسية أيضا.