الزيادة الأخيرة التي مست أسعار المحروقات، ستكون لها، من دون شك، انعكاسات سلبية على القدرة الاستهلاكية لفئات واسعة من شعبنا، خاصة بالنظر لما يتميز به هذا العام من مصاعب اقتصادية واجتماعية، وهي زيادة بقدر ما تفرضها تقلبات أسعار المواد النفطية على الصعيد العالمي، فهي أيضا ترتبط بشكل جوهري بالدعم الموجه لصندوق المقاصة، وبضرورة إعمال إصلاح جذري وحقيقي لمنظومة الدعم هذه، حتى لا تبقى الزيادة في ثمن الغازوال والبنزين مجرد حل ظرفي لن ينهي المعضلة. اليوم، صندوق المقاصة يتطلب قرارات شجاعة وجريئة لإصلاحه، وذلك حتى لاتبقى أمواله تصب في جيوب الأثرياء والشركات التي تراكم الأرباح، كما أنه من غير المعقول أن تجد البلاد نفسها في متم ماي، وقد استهلكت حوالي ثمانين في المائة مما خصصته الميزانية السنوية لدعم الصندوق. إن حكومة تمتلك شرعية ديمقراطية وشعبية، هي القادرة على اقتحام الإشكاليات الوطنية الكبرى التي عجزت سابقاتها عن الاقتراب منها، ولهذا، فان إصلاح صندوق المقاصة ونظام الدعم بكامله يعتبر مهمة مركزية ومستعجلة في أجندة الحكومة الحالية. من جهة ثانية، لقد نجحت الحكومة في تدبير الإعلان عن الزيادة، ما حال دون انقضاض السماسرة على محطات البنزين وتخزينه لبيعه بأضعاف مضاعفة، لكن الأمر يقتضي اليوم تكثيف المبادرات التواصلية، وفي نفس الوقت الشروع الفوري في حوارات واتفاقات مع المهنيين، ومع كل المعنيين بالقطاعات المرتبطة بأسعار المحروقات (النقل العمومي ونقل البضائع، المقاولات الصغرى والمتوسطة وتلك العاملة في التصدير، التجارة الداخلية...)، وذلك من أجل تفادي الزيادات في مواد وخدمات أخرى ذات ارتباط بالحياة اليومية للناس. لا شك، أن رفع أسعار المحروقات كان متوقعا لدى الكثيرين، ومبرراته الاقتصادية والمالية لا شك أنها تمتلك كثير شروط للإقناع، لكن مع ذلك، فان الحكومة اليوم تتحمل مسؤولية اتخاذ إجراءات أخرى موازية وفورية تستهدف حماية القدرة الشرائية للفقراء من شعبنا والرفع منها، بالإضافة إلى التعاطي بحزم مع كل زيادة انفرادية أو مزاجية قد يلجأ إليها البعض في مواد وخدمات أخرى، وقد سجلت بالفعل حالات من هذا القبيل في بعض المناطق، خاصة في مجال النقل العمومي، وبالتالي، فان الأولوية اليوم يجب أن تتركز على أسعار باقي المواد الاستهلاكية، وخدمات النقل، وضرورة صنع اتفاقات مع مهنيي هذه القطاعات، والإقدام على مبادرات لها علاقة بتحسين القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، وذلك بغاية حماية الاستقرار الاجتماعي في البلاد. وبقدر ما أن إصلاح صندوق المقاصة بات اليوم أولوية اجتماعية، ويجب الانكباب عليه، فان إنجاح مثل هذه الإصلاحات الهيكلية الكبرى يتطلب جرأة سياسية ومواقف واقعية شجاعة من لدن كل الأطراف السياسية والنقابية والاقتصادية، بغاية جعل بلادنا تتجاوز مصاعبها المالية والاقتصادية، وتربح رهانات التنمية والتقدم الاجتماعي.