الرباط "مغارب كم": بوشعيب الضبار فجر مشروع القانون التنظيمي للإضراب، الذي تنوي الحكومة تقديمه للبرلمان يونيو المقبل، نقاشا واسعا،احتد في بعض اللحظات، بين المشاركين في برنامج تلفزيوني بثته القناة التلفزيونية المغربية "الأولى" ليلة أمس. تباينت الآراء والمواقف بشأن مشروع القانون ، بين محبذ ومنتقد، ذلك أن ممثلي وزارتي التشغيل والتكوين المهني ألحا على تقنين الإضراب، باعتباره أحد مقتضيات الدستور الجديد، ولابد من تنزيله، بينما رأى ممثلو بعض المركزيات النقابية أن هناك أولويات يتعين البدء بها، ومنها قانون النقابات، ومحاربة البطالة، وغيرها. وبلغ الأمر بأحد المشاركين في برنامج" قضايا وأراء"، الذي يعده ويقدمه عبد الرحمان العدوي، العائد من وعكة صحية ألزمته الفراش، وغيبته عن الظهور الأسبوع الماضي، إلى حد القول " إن مشروع القانون التنظيمي لن يمر إلا على أجسادنا"، حسب تعبيره. وعبرت خديجة الزومي ، من الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، في تصريح لها،عن خشيتها من أن يكون مشروع القانون التنظيمي للإضراب، بمثابة قيد يكبل النقابات، ويحد من حركيتها. وجاءت هذه الحلقة الجديدة من البرنامج، على خلفية تنامي الإضرابات في العديد من القطاعات الحيوية، ذات الارتباط الوثيق بالمواطنين،مثل الصحة والعدل والتعليم والجماعات المحلية، "بتزامن مع موسم سياسي ساخن، ومناخ اجتماعي شديد الاحتقان"، حسب تعبير العدوي. وأجمع المشاهدون الذين أدلوا بشهاداتهم للبرنامج، على أن الإضرابات أصبحت ظاهرة مزمنة، وتشكل نوعا من العبث يضر بمصالح الناس، وتمس بالمقاولات والإدارات، ما ينعكس سلبا على الاستثمارات في المجال الاقتصادي. ولاحظ البعض من المشاهدين أن ممارسة الإضراب في المغرب أصبحت تتسم بالفوضى والعشوائية، ولاتخضع حاليا لأية ضوابط، وتعرف عددا من التجاوزات، وغدت بمثابة " عطلة مفتوحة" بالنسبة لبعض الموظفين، مما يفرض ضرورة تقنينها،خاصة وأن المتضرر الأول هو المواطن البسيط. وقال محمد بنقدور، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك، إن هناك خسارة كبيرة للدولة،" والمغر ب هو الضائع في هذه الظرفية الخاصة"، مشيرا إلى أن الإضرابات المتتالية، ضرب لما أسماه " مشروعية الإضراب"، وتتسبب في الكثير من الخسائر،مايفرض على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها، وذلك بأن تفي الحكومة بوعودها، وأن يكون سلم اجتماعي لمدة سنة، يمكن اعتباره بمثابة وقفة تأمل، يتم خلالها إنجاز دراسة موضوعية في هذا المجال. وأوضح حسن الطاهري ، رئيس مراقبة التشريع بوزارة التشغيل، إن تقنين الإضراب، يصب في مصلحة البلد، وفي صالح الاستثمار،" ونحن لانسعى إلى تقييد الإضراب، بل إلى تقنينه وتنظيمه،بإشراك المنظمات النقابية، وفق مقتضيات الدستور، تكريسا لدولة الحق والقانون". وذكر الطاهري أن دولا عريقة في الديمقراطية قامت بتقنين الإضراب،" الذي تفرض الضرورة تنظيمه، كحق دستوري وإنساني وأساسي، واحد تجليات الحريات النقابية". وأكد عبد الله الطيبي، من وزارة الوظيفة العمومية،أهمية تنظيم الإضراب، " الذي سوف يكون موضوعا للحوار الاجتماعي،" مضيفا أن القانون التنظيمي للإضراب لن يمنع الحق الدستوري في الإضراب، ولكنه سينظم كيفية استعماله في إطار من المسؤولية. واعتبر الطيبي أن " النقاش الذي يجادل في إخراج القانون التنظيمي للإضراب غير مقبول". وانتقد حسن العلمي، من الحزب العمالي أداء " الحكومة المحافظة"، حسب وصفه لحكومة بنكيران، وقال إنها تعتبر الطبقة الشغيلة في المغرب بمثابة الحائط القصير،مضيفا أن هناك قضايا وأسبقيات وقوانين أخرى أجدر بالاهتمام. وحمل العلمي الحكومة مسؤولية تنامي الإضرابات، بانتهاجها لسياسة الأذان الصماء،أمام " وضع اجتماعي متأزم"، متسائلا " إلى أين يذهب العامل في الجماعات المحلية، إذا لم يجد أذانا صاغية؟ ولماذا تذكرت الحكومة اليوم بالضبط مشروع قانون تنظيم الإضراب، بعد أن ظل في رفوف الحكومات السابقة لثلاثة عقود من الزمن، هل عملت على حل كل المشاكل، ولم يبقى لها سوى قانون الإضراب". وعبر على الطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل،عن اعتقاده بأن "المضرب الحقيقي هو الحكومة، وليست النقابات، ولو فتحت حوارا حقيقيا،لما تنامت الإضرابات، علما أن هناك اولويات اجتماعية، هي الحق في الصحة والتشغيل والتعليم، وهناك ظرفية صعبة، وعجز مقلق". وبعد أن أكد على العدالة لاجتماعية، التي يطمح إليها الجميع،شدد لطفي على أن التنزيل الحقيقي لمقتضيات الدستور في رأيه، هو هذه الأوليات،التي تطرق إليها في تدخله، قبل مشروع القانون التنظيمي للإضراب، داعيا الحكومة إلى تطبيق مدونة الشغل أولا،وإلى حل العديد من الإشكاليات المهنية، ومنها قضية المعلمين أسرى السلم 9 منذ 20 سنة. وقال لطفي إن الطبقة الشغيلة في المغرب هي العمود الفقري للاقتصاد الوطني، ولابد من إعطائها الاعتبار اللازم، وأضاف أن محاربة الفساد ليست فقط بالإعلان عن لائحة رخص النقل، بل كيفية محاربة اقتصاد الريع، ومخاطبة المغرب " بلغة الحقيقة". وأبرز عبد الصمد مريمي ، من الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أن قانون تنظيم الإضراب يدخل في إطار استكمال التشريع المتعلق بالشغل، باعتبار متمما للمقتضيات الواردة في الدستور الجديد. وقال مريمي " نحن مطالبون بإرساء قانون للنقابات"، ملحا على الحوار كمسألة أساسية في هذا السياق، وأضاف أن المسؤول العاجز عن الحوار يجب عزله، مشيرا بالضبط إلى وزارة الداخلية،" التي يجب أن يكون عندها مسؤولون قادرون على تحمل مسؤولياتهم". وعند إثارة مسألة الاقتطاع من اجور المضربين، وهو الإجراء الذي تنوي الحكومة اتخاذه مستقبلا، أجمع ممثلو التنظيمات النقابية المشاركون في البرنامج على مناهضته ورفضه، واعتبروه " ممارسة من أجل الحد من الإضراب".