أعلن جمال أغماني، وزير التشغيل والتكوين المهني، أن الحكومة بصدد تحيين مضامين مشروع قانون الإضراب وفق ملاحظات الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، مضيفا، في تصريح له أمام مجلس المستشارين يوم أمس الثلاثاء، أن هذا المشروع سيتم بعد ذلك عرضه على قنوات المصادقة الدستورية. وبهذا يكون من غير المستبعد أن يعود هذا الموضوع الساخن إلى واجهة الأحداث خلال الأيام المقبلة تماشيا مع ما صرح به الوزير سابقا من أن هذا المشروع سيكون ضمن مشاريع القوانين التي ستدرج قريبا بالبرلمان. ويعد هذا المشروع بمثابة قانون تنظيمي لحق الإضراب الذي نص الدستور على ضرورة وضعه لتقنين ممارسته. لكنه ظل لسنوات بل لعقود، يراوح مكانه بين رفض النقابات واستعجال الباطرونا إخراجه إلى حيز الوجود، فيما ظلت الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام مترددة في التدخل للحسم بين الموقفين. فمنذ دخول مدونة الشغل حيز التنفيذ في يوليوز 2004، لا زال الأخذ والرد بين الفرقاء الاجتماعيين سيد الموقف فيما يتعلق بهذا القانون الذي تراه النقابات «مقيدا للحق الدستوري في ممارسة الإضراب كشكل من أشكال الاحتجاج، وكأسلوب لدعم المطالب المشروعة للشغيلة»، فيما بات إخراج قانون لممارسة حق الإضراب، بالنسبة للحكومة، أمرا لا يخلو من ملحاحية، خاصة مع تعدد النقابات وتناسلها (24 نقابة مهنية)، في وقت تسطر كل نقابة أجندتها الخاصة وتبرمج أيام الإضراب وفق حسابات خاصة جدا مما يجعل كل القطاعات، لا سيما الحيوية منها، تمر من سلسلة لا متناهية من التوقفات عن العمل مع ما يخلفه ذلك من أضرار بمصالح المواطنين. لكن إذا كان مشروع القانون التنظيمي للإضراب لم يحصل على رضى النقابات التي رأت في بنوده ضربا لحق مشروع في وقت ما زالت العديد من المقاولات لا تطبق حتى مقتضيات مدونة الشغل والتي هي الحد الأدنى من الحقوق المضمونة للشغيلة، فإن بعض المركزيات النقابية لا تنظر بعين الرضى أيضا لما شاب ممارسة حق الإضراب من «تسيب وتمييع» نتيجة لواقع التشتت النقابي ودخول نقابات جديدة إلى الميدان، خاصة وأن تلك التحركات النقابية تتم على خلفيات سياسية أو حزبية، أو وفق حسابات ومصالح ضيقة لا تمت بصلة إلى المصالح الحقيقية للشغيلة، الأمر الذي خلق نظرة لا تخلو من جانب سلبي بالنسبة لممارسة حق الإضراب الذي يبقى حقا مشروعا يكفله الدستور. وفي هذا الإطار، تركز الحكومة على ضرورة وضع نص قانوني ينظم ويقنن ممارسة هذا الحق. فالمشروع يستهدف، حسبما جاء في تصريح جمال أغماني بمجلس المستشارين، «صيانة حق الإضراب وعقلنة ممارسته بما يضمن حقوق كل الأطراف، ويساهم في تأطير العلاقات المهنية والحفاظ على بعض المصالح الحيوية للمجتمع». كما يهدف، يضيف الوزير، إلى»استكمال تشريع الشغل وتعزيز الترسانة القانونية وتوضيح المسافة الفاصلة بين الحق والواجب كأحد المرتكزات الأساسية لدولة الحق والقانون». كما تم الحرص أثناء إعداد المشروع، على أن تكون مضامين تلك الشروط مطابقة لما هو معمول به في القانون المقارن واجتهادات منظمة العمل الدولية، والتي تقر في وثيقتها «المبادئ المرتبطة بحق الإضراب» ومنها على الخصوص إمكانية إقرار الإشعار بشن الإضراب، ومسطرة تسوية النزاعات (التحكيم) قبل اللجوء إلى الإضراب، وضرورة احترام حرية العمل بالنسبة لغير المضربين». لكن هذا المشروع يهدف، حسب فاروق شهير، نائب الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، إلى «تكبيل حق الإضراب وجعل بلادنا في مصاف الدول المستبدة التي لا تحترم القانون». شهير اعتبر، في تصريح لبيان اليوم، أن هذا المشروع» يعد تراجعا كليا على الحريات النقابية، كما يسيء لبلادنا ولسمعتها ويشكل ضربة للديمقراطية ولحق الاحتجاج». كما أنه «يلغي بندا أساسيا تنص عليه كل القوانين الدولية وخاصة منظمة العمل الدولية وهو حق المباغتة وهذا ما يشكل تراجعا عن حق الإضراب». فوضع قانون للإضراب يدخل، حسب القيادي في الاتحاد المغربي للشغل، في «سياق التضييق على الحريات النقابية، في حين نرى أنه مازال هناك لدى الحكومة ما تقوم به قبل كل شيء، ومن ضمن ذلك إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يجرم بشكل فعلي الحق في ممارسة الإضراب، بالإضافة إلى «التصديق على عدد من القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بالحريات النقابية». يذكر أن المشروع عرف الإضراب بكونه توقفا جماعيا ومدبرا عن الشغل من أجل مطالب نقابية أو مهنية، وهو يعلق عقد الشغل ولا ينهيه، وبالتالي يحرم العمال من التعويض عن أيام الإضراب. كما حدد مهلة إخطار المشغل بقرار الإضراب بما لا يقل عن 10 أيام كاملة، إلا في حالة عدم أداء الأجور في وقتها المحدد أو وجود خطر يهدد صحة وسلامة الأجراء، حيث يحدد الإخطار في ظرف 24 ساعة.