في كتابه الذي صدر في بداية هذا الشهر تحت عنوان "أشخاص حول القذافي" عقد عبد الرحمن شلقم؛ مندوب ليبيا الدائم لدى الأممالمتحدة، فصلا خاصا عن عبد الله السنوسي؛ الذي أعتقل أمس في نواكشوط بجواز سفر مالي مزور، ننشر للقراء أهم ما في هذا الفصل عن هذه الشخصية المثيرة للجدل. عبد الله السنوسي هو أكبر وأخطر إنتاج لمصنع معمر القذافي، هو عديله، وهو صناعة قذافية كاملة، هو من قبيلة المقارحة، دون خلفية سياسية أو إيدلوجية. اختاره القذافي من مرافقيه الأمنيين، اكتشف القذافي أنه يمكن تصنيعه ليقوم بمهمة أمن كرسي العقيد وعصا النظام وخنجره وبندقيته، فكان يكلفه القذافي ببعض المهام الأمنية الخاصة، وكان يكلفه أيضا بإلقاء بعض التصريحات الصادمة والكلمات الجافة للمسؤولين الليبيين أو الأجانب قبل لقاء القذافي. نقله القذافي بين مواقع أمنية وعسكرية مختلفة، كان يأخذ تعليماته منه مباشرة ولا يتبع أي جهة أخري، استحوذ السنوسي علي عقل معمر وقلبه بعد فشل المحاولة الإنقلابية التي قام بها ضباط من قبيلة الورفلة، فأصبح يد العقيد الحديدية التي يضرب بها كل شبح يتحرك اتجاهه، وأصبح موضع ثقته المطلقة. لكن مكانة السنوسي ارتفعت بعد ذلك عندما هم شابان من حراس الرئيس أن ينتقما لشرفها، ويغسلا العار الذي لحق بهما عندما علما أن القذافي " تسلل" خلسة إلي " بيت" أحدهما ، فما كان من القذافي إلا أن أوكل مهمة عقابها إلي السنوسي الذي ربط أيديهما في سيارة ورجليهما في أخري وأمر أن تنطلق كل سيارة في اتجاه آخر، فمزق جسديهما شر ممزق.. وقد صور السنوسي هذا المشهد في شريط فيديو وكان يعرضه علي كل من يسوء الأدب علي القذافي ويهدده بنهاية مشابهة لنهاية الجنديين... كان يقول إن ما يهمه في حياته هو معمر القذافي ورضاؤه وقوة معنوياته وارتفاعها، وأنه علي استعداد أن يدفع مقابلها أي ثمن.. هو المسؤول عن محاولة الاعتداء علي وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، ومحاولة اغتيال ولي العهد عبد الله بن عبد العزيز، وتفجير لوكوربي، وطائرة ليوتي آ الفرنسية، وتفجير ملهي لابيل الألماني، والأوامر بإطلاق النار علي الشرطية لبريطانية التي قتلت أمام السفارة الليبية وهي تحرس المتظاهرين سنة 1984 .. كان عبد الله السنوسي يلعب الدور الذي لعبه صلاح نصر بالنسبة لعبد الناصر، والجنرال أوفقير بالنسبة للحسن الثاني.. ولكنه تفوق على الاثنين في ماراتون الدم. كان عبد الله السنوسي أيضا هو المسؤول عن تربية أولاد القذافي وخصوصا سيف الإسلام، وهو أيضا المسؤول عن عملية التوريث التي كان يحلم بها هذا اأخير، وكان يشرف علي هذا المشروع وينظم لقاءات مكثقة بين سيف الإسلام والمسؤولين الليبيين والآجانب لتهييئة للحكم ، وكان يقوم بتأديب أعضاء الحكومة ويرسل لهم بعض العملاء للإعتداء عليهم . دخل عبد الله السنوسي دنيا السياسة الدولية بلغة معمر وأسلوبه، وقام بمهام علنية في الداخل وسرية في الخارج ، اشترك في المفاوضات حول حل مشكلة لوكوربي وأسلحة الدمار الشامل، وقضية الطائرة الفرنسية، وكان في كل ذلك ينطق بصوت معمر القذافي، وعندما يريد إرسال إشارات متشددة إلي أي وفد أجنبي يكون ذلك عبر السنوسي. في أحدي اللقاءات مع ديفيد ولش؛ مساعد وزير الخارجية الأمريكية، التي عقدت في وزارة الخارجية الليبية بطرابلس، قال له عبد الله السنوسي: عليكم تعويضنا عن أجهزة الطرد المركزي التي اخذتموها هنا، عليكم أيضا مكافأتنا مقابل تجاح الرئيس جورج بوش في انتخابات ولايته الثانية، لأننا بتخلينا الطوعي عن برنامج إنتاج أسلحة الدمار الشامل ساهمنا في نجاحه . فقال له دافيد ولش وما هو المطلوب مني شخصيا؟، أجابه السنوسي: أنقل هذا الكلام إلي واشنطن وأبلغنا بالإجابة. رد عليه ولش بقوله إذا قلت هذا الكلام في واشنطن فسوف أضرب علي مؤخرتي. كان عبد الله السنوسي معركة متحركة يصادم في كل مكان، ويخوض المواجهات علي كل الجبهات، له داخل النظام أعداء وليس له حلفاء، كان هو المسؤول عن إيصال المحمودي إلي رئاسة الوزراء وذلك لمراقبة الصفقات والعقود والتعيينات ومتابعة دورة المال في الصناديق السيادية والبتوك والشركات، ولقد تقاسم الإثنان بلح المصلحة في العراجين وعلي الأرض ولم ينس أحدهم صنائع الآخر له ، وكانت تربطه علاقات قوية مع أمير قطر حمد بن خليفة ورئيس وزرائه حمد بن جاسم ، وكان السنوسي يدفع بالعلاقات مع قطر إلي مستوي التحالف الإستراتيجي يل كان يخطط لعلاقة مصاهرة عالية المستوي ...مع قطر. عندما انفجرت الثورة طار إلي بنغازي. واجه برشاشته المتظاهرين فوق جسر ليانة وحصد المئات منهم . وتوجه بعد ذلك إلي كتيبة الفضيل أبو عمر الأمنية فهاجمها المتظاهرون ونجا بأعجوبة. وعاد إلي طرابلس ومن هناك قاد مع أعضاء اللجنة الأمنية معارك الإبادة ضد الشباب الليبين. قاتل علي كل الجبهات وبعد تحرير طرابلس فر إلي بني وليد ومنها إلي سرت واستأذن من القذافي أن يذهب إلي قريته لدفن أبنه. أصدر مجلس الأمن قرارا بإحالته مع معمر القذافي وإبنه سيف الإسلام إلي محكمة الجنايات الدولية بتهمة الإبادة الجماعية وارتكاب جريمة حرب، وأصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحقهم. لقد كان هذا المثلث ، معمر ، سيف ، السنوسي ، هو هرم الدم تخطيطا وقرارا وفعلا ، كان هؤلاء الثلاثة يعرفون أن سقوط النظام يعني سقوط رؤوسهم ونهايته نهايتهم... لقد حمل نذير الموت والدم في أعطافه وأحشائه.. سيكتب الكثير عن معمر القذافي، وعن الأسرار التي تجثم في سراديق الأماكن والعقول ، فوق الأوراق وتحت الأرض سيكون عبد الله السنوسي هو لون الحبر الذي كتبت به تلك الأسرار، وتمثال النهاية التي التفت حول أعناق المئات بل الآلاف من شباب ليبيا وشيبها. هوي معمر القذافي في جب النهاية، وغاص هامان في بحر الوهن ، الدنيا جمر وتمر، كل يقطف ما زرع . كان عبد الله السنوسي نهاية منذ البداية.