ولّى كريستوفر روس وجهه نحو الشمال الإفريقي، عساه يتلمس بريق أمل يدفعه إلى التفاؤل بأن مهمته الصعبة في الصحراء لا بد أن تقود إلى حل. لعله أكمل نصف الدائرة منذ أول جولة انتهت به إلى التوقف أمام بوابة الاتحاد المغاربي في الرباط، وبقي عليه أن يثابر وهو يقطع النصف الثاني في ايار (مايو) المقبل. مواطنه الأميركي جيمس بيكر كان أكثر وضوحاً وصلابة، قبل أن يحيد عن الخط الأول الذي رسمه. طلب إلى كل طرف أن ينسى ما جاء يدافع عنه، وخلص إلى أن إقليم الصحراء لن يكون مستقلاً ولن يضمه المغرب نهائياً. فقط هناك حل ثالث اصطلح عليه الحكم الذاتي. كان في وسع بيكر أن يمضي أبعد في طرحه الأول الذي كان واقعياً لولا أن الوضع الإقليمي في المنطقة لم يكن مساعداً. بيد أن كريستوفر روس يجد نفسه في وضع أكثر ملاءمة لأن التحولات التي تشهدها المنطقة تسير في اتجاه احتواء التوتر، يضاف إليه أن القرار الدولي يميل في اتجاه تحميل الأطراف مسؤوليات استمرار المأزق. الأصل في تباين الخلافات أنها لا تطاول المبدأ، وبالتالي فإن أرضية المفاوضات تشكل أكبر عقبة، اذ تتمحور حول اقتراح الحكم الذاتي، أو العودة إلى الاستفتاء ضمن خيارات تشمل الاستقلال أو الضم النهائي أو الحكم الذاتي علماً أنه استنسخ بطريقة ذكية ضمن ما يعرف بالحل السياسي. وطالما أن تقرير المصير يمكن ممارسته وفق خيارات عدة، فلا خلاف حول هذه المنهجية التي أقرتها المواثيق الدولية. وإنما التباين قائم حول أفضل الصيغ الممكنة لبلورة الحل الذي يصمد على الأرض. فالاستفتاء لا يمكن إلا أن يسفر عن ترجيح الاستقلال أو الضم النهائي. والقدرة على ابتكار حل ثالث ووفاقي تظل أقرب إلى استيعاب الحقائق التي لا يريد أحد أن يواجهها. بكل وضوح لن يكون في وسع أي طرف أن ينتشي وحده بنهاية نزاع أهدر الأرواح والأموال والآمال. كان الأمر أشبه بمنافسة سيكتشف الذين يخوضونها أن رهانهم لم يكن يسير في الاتجاه الصحيح. من صدق التاريخ أن أروع الكتابات الإبداعية عن الصحراء صدرت عن أدباء ورحالة استلهموا ضوءها الساطع. ولم يكن أبلغ من الأديب والرسام الفرنسي الشهير أوجين فرومنتان في تصويره مظاهر الحياة الهادئة التي تزخر بجمالية الطبيعة وصفاء الوجدان في الصحراء الممتدة بلا حدود. غير أن الرحالة الجدد لم يعودوا من الصنف الذي تستهويه التقاليد والعادات والمعاملات. إنهم كائنات سياسية تبحث في وسائل ضمد الجراح. من إريك جونسون إلى بيتر فان فالسوم، ومن جيمس بيكر الى كريستوفر روس، تعاقب على التعاطي مع ملف الصحراء سياسيون وخبراء ورجال قانون كانت نظراتهم الأولى تلتقي عند الفضاء الذي يبدو فيه كل شيء واضحاً في مثل بساطة أهل الصحراء. لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن كثبان الرمال تخفي معالم الطريق إذ تهب رياح من كل الاتجاهات. غداً سيأتي روس حاملاً معه ذلك الرصيد الذي جعله أقرب إلى تفهم طباع أهل المنطقة، فقد عاش في فاس والجزائر وتجول عبر الأزقة القديمة والمدن والحضارات. غير أنها المرة الأولى التي سينزل فيها ضيفاً تحت خيمة صحراوية غير خيام تيندوف. ما يشد الانتباه أن زيارته ستأتي في أعقاب مداولات مجلس الأمن وعلى إيقاع جولات المفاوضات غير الرسمية التي رعاها إلى أن بلغت التسع. أما العاشرة فعلمها عند الأطراف التي لم تتوصل إلى وفاق. وكم هو مدهش أن يكون فرومنتان كتب عن الصحراء وتقاليدها وطقوسها. ثم عرج عنها ليقضي «سنة في الساحل» كما في كتابه الثاني. بينما الساحل جنوب الصحراء يلقي بظلاله على أوضاع المنطقة مع فارق أن الكاتب الفرنسي زارها عام 1845 ويزورها كريستوفر روس عام 2012.