لا يعني توسيع قاعدة المفاوضات حول الصحراء بعد كل الجولات السابقة، سوى أنها لم تكن تسير في الاتجاه الصحيح، فالأمر لا يتعلق فقط بفتح قناة جديدة لتصريف جوانب في المأزق الراهن، وإنما يطاول الاستنجاد بفرقاء جدد يمكن أن يحرروا المفاوضين من أكثر من عقدة. مأزق التمثيلية في مفاوضات الصحراء طُرح هذه المرة في سياق مختلف، أقربه طرح إشكالات مَن يمثل مَن. ولم يكن وارداً العودة إلى نقطة الصفر لو أن المسار انطبع بالواقعية التي دعت إليها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، غير أن البعد عن الواقعية كان في مقدم أسباب الانتكاس. ومن ذلك أنه لم يحصل أي اتفاق على مرجعية المفاوضات. فيما يقول المغرب إن خطة منح الحكم الذاتي للمحافظات الصحراوية هي الأرضية التي يجب الانطلاق منها والعودة إليها كحل نهائي، ترد جبهة «بوليساريو» أن الاستفتاء المرادف لتقرير المصير يشكل الحسم. وليس في إمكان الأممالمتحدة أن تفرض حلاًّ خارج الصيغة الوفاقية المطلوبة في نزاع إقليمي من هذا النوع. عملياً اهتدت الأممالمتحدة إلى إطار وفاقي صاغته في صورة «الحل السياسي». وهي محقة في ذلك ما دام ليس في وسعها أن تلغي قرارات سابقة بغير الاستنساخ السياسي الذكي الذي ينزع عنها صفة التحيز لهذا الطرف أو ذاك. لكن الحل السياسي يبقى فضفاضاً وقابلاً للتأويل، مع أنه ليس أكثر من وصفة علاجية تؤدي المفعول المطلوب، أي إنهاء النزاع تحت شعار لا غالب ولا مغلوب. الأصل في نزاع الصحراء أنه بدأ واستمر تحت هاجس التمثيلية، وساعد توزع السكان المتحدرين من أصول صحراوية بين المغرب ومخيمات تيندوف وموريتانيا، في تعقيد الصورة والمواقف معاً. لذلك كان طبيعياً أن تؤول جهود الأممالمتحدة في وضع قوائم الصحراويين إلى الفشل، ما ترتب عنه انهيار خطة الاستفتاء. بيد أن الوسيط الدولي جيمس بيكر، الذي كان وراء فكرة البحث عن حل بديل، هو نفسه الذي رسم معالم المفاوضات بين الأطراف المعنيين، إذ اعتبر المغرب و «بوليساريو» طرفين مباشرين، فيما الجزائر وموريتانيا مراقبان. وقد يكون مصدر الخلل في مسار المفاوضات الراهنة أنه اتخذ من الصيغة القديمة في تحديد الأطراف إطاراً جديداً، وإن كان الراجح أن شراكة الأطراف في مشروع التسوية المنهارة ليست بالزخم نفسه في بلورة معالم الحل السياسي. ولا أَدَلُّ على ذلك من أنها واجهت الأفق المسدود لدى معاودة طرح إشكالات التمثيلية. قد يكون الموفد الدولي كريستوفر روس أراد من خلال إقرار آليات جديدة لدعم خيار المفاوضات، استخدام منطق الإقناع لإنهاك المفاوضين، فقد عمد إلى صيغة المفاوضات غير الرسمية لتجنب تداعيات الفشل، ثم لجأ في غضون ذلك إلى جذب المباحثات إلى ضفاف الأبعاد الإنسانية وقضايا استغلال ثروات الإقليم وإزالة الألغام، وهذه كلها إجراءات ثانوية، الغرض منها دفع المفاوضات نحو بداية مشجعة. ما يعني أن طرح فكرة توسيع المشاركة في تمثيلية السكان تندرج في السياق ذاته، لكنها أكثر أهمية بالنظر إلى أن مشكلة الصحراء تكاد يكون قضية تمثيلية قبل أي شيء آخر. تنبَّه المغرب إلى إشراك شخصيات تتحدر من أصول صحراوية في جولات المفاوضات، وكان ذلك مؤشراً إلى أن حوار أبناء القبيلة الواحدة يصبح مجدياً تحت خيمة واحدة، ففي النهاية هناك صحراويون موالون للمغرب، وهناك أشقاء وأبناء عمومة في الطرف الآخر. وبالتالي، يمكن لهكذا حوار أن يسفر عن وفاق. إذا استطاع صحراويو الطرفين الوصول إلى قناعة نهائية بجدوى المفاوضات التي يرعاها روس، فإن ذلك سيكون أكبرَ اختراق، وفي إمكانه أن يزيل أصعب العقبات، وفي مقدمها استمرار الخلافات الراهنة بين المغرب والجزائر، التي بدأت في تخوم الصحراء وامتدت نحو كل الآفاق. لا أحد غير روس يعرف إلى أين يقود سفينة المفاوضات، غير أن إشارة موحية أطلقها في الأيام الأولى لتعيينه، يوم امتزج رأي الاتحاد المغاربي بمشروع التسوية، كانت كافية لفهم إستراتيجية بعيدة المدى.