يأتي الانشغال بقضية الصحراء في وضع متأخراً نسبياً، فلا هي ساخنة تستحوذ اهتماماً دولياً كبيراً، ولا هي مشتعلة تنذر بمخاطر أكبر. ومع ذلك فإن الأطراف المعنية بها تتصور أنها نهاية العالم. ومن أجل ذلك تبدو زيارة الموفد الدولي كريستوفر روس الى المنطقة على قدر العزائم، لا تحمل البشرى ولا تلوح بأوخم العواقب. لكنها تمضي بحذر في حقل الغام لم يعد في امكان زارعيه الاتفاق على خارطة طريق تسعف المنطقة برمتها على الخروج من دائرة الانتظار. قال المغرب كلمته وسمع روس من الملك محمد السادس أن بلاده تدعم خيار المفاوضات ولا تريد بديلاً من اقتراح الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الصحراوية. ولا شك في أنه سينصت الى طروحات نقيضة بعضها أقرب الى رؤية الرباط وبعضها أشد تبايناً. ومن ثنايا كل هذه المواقف تبرز حقيقة أن ما من طرف يرغب في تحمل مسؤولية انهيار المفاوضات، في مقابل أن ليست هناك صورة واحدة متطابقة حول مرجعية تلك المفاوضات والمدى الذي تستطيعه في حال استئنافها. وحده روس يبدو عازماً على معاودة تصنيف مهمته. فقد جرب في المرة الأولى ديبلوماسية الإنصات الهادئ لكل الأفكار والاقتراحات، واستطاع في المرة الثانية أن يدفع في اتجاه كسر الحواجز النفسية. ولعله هذه المرة سينتقل الى السرعة الثالثة كي يجعل من مهمته شيئاً آخر يختلف عما سبقه من طبعات. ظاهرياً على الأقل تشير مواقف الأطراف المعنية الى أنها تسير في الاتجاه الذي أقره مجلس الأمن، إطاره الحل السياسي وآليته المفاوضات. غير أن روس يدرك أن المشكل ليس قائماً في القرارات ذات الصلة، وإنما في تباين قراءاتها وتأويلاتها. وبالتالي فإن الاجتماع المقبل لمجلس الأمن في نهاية نيسان (ابريل) المقبل سيكون فرصة لاستخلاص أي القراءات يتطابق مع ما يتوخاه المجلس. وأي المسالك يقود الى استئناف مفاوضات جوهرية ومباشرة من دون شروط مسبقة. وربما أن هذا الجانب هو الذي جرى التعبير عنه صراحة في القرارات ذات الصلة يشكل عمق المأزق الراهن. ما من طرف يعلن صراحة أنه يضع شروطاً لاستئناف المفاوضات، لكن ما من طرف يذعن أيضاً لمنطق إلغاء الحواجز التي لا تساعد في تحقيق الهدف. وما من طرف يستطيع أن يتخلى عن الموقع الذي يتخندق فيه، طالما أن سقف أي تسوية يبقى رهن صيغة وفاقية اختارت الأممالمتحدة أن تدرج حل نزاع الصحراء في أجندتها التي تنشد الحل من داخل الأطراف لا أن يفرض من خارجها. لا يبدو أن روس سينحاز الى الجمع بين الخيارات المقترحة، من جهة لأن تجربة جيمس بيكر كانت تطاول إنقاذ خطة الاستفتاء من انهيار تحقق بعد استقالته، ومن جهة ثانية لأن روس يريد أن يبدأ مشواره من القرار المقبل الذي سيلتزمه مجلس الأمن. فقد كان أشبه بمطفئ حرائق في الأشهر التي تسلم فيها مهماته، للإبقاء على زخم المفاوضات، حتى وإن وصلت الى الباب المسدود. إشارتان غير متوقعتين صدرتا بالتزامن مع زيارة روس الى المنطقة، الأولى ركزت على إقصاء المغرب عن المشاركة في مؤتمر إقليمي حول التحديات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء، بما يعنيه ذلك من دلالات اهتمت بها الجزائر الدولة المضيفة، لإبعاد ملف الصحراء عن الإشكالات الأمنية في المنطقة. والثانية كانت محض بروتوكولية شملت عقد اجتماع بين وزيري داخلية المغرب والجزائر. ومع أن الإشارتين قد لا تندرجان في صلب اهتمامات روس، فإنه لا يمكن إلغاؤهما أو شطبهما من معادلة الحل السياسي لقضية الصحراء الذي لن يكون سوى حل إقليمي وفاقي.