لماذا يهتم العالم بليبيا؟ لو كان القذافي يحكم الصومال لما كان هذا الاهتمام ولما تحركت قوات الأطلسي، وما دارت ماكينة العقوبات في مجلس الأمن الدولي. للأسف الشديد تم اختصار ليبيا كدولة في شخصية العقيد القذافي وسياساته وطبائعه الغريبة، حتى طمس ذلك أهمية ليبيا كدولة وشعب وإمكانيات. تبلغ مساحة ليبيا قرابة مليون وثمانمائة كيلومتر مربع، وتعد بذلك الدولة رقم 17 من ناحية المساحة على مستوى العالم، والرابعة في أفريقيا، كما أنها تملك أكبر ساحل بين الدول المطلة على البحر المتوسط. وترقد ليبيا على ثامن أكبر مخزون من النفط في العالم، وتحتل المكانة رقم 17 في إنتاج النفط في العالم، قبل الثورة الأخيرة. وحينما أعلن منذ 3 أشهر في طرابلس أن المجلس الانتقالي يعد خطة إعمار طموحة تبلغ مائتي مليار دولار أميركي سال لعاب القوى المالية والاقتصادية في العالم الغربي المأزوم ماليا، الذي يبحث عن فرص استثمارية يحاول أن يداوي بها جراحه المالية منذ عواصف 2008 حتى يومنا هذا. لذلك لم يكن غريبا أن إيطاليا وتركيا وبريطانيا كانت الأكثر تحركا على الساحة الليبية من أجل التأمين المبكر لصفقات إعادة الأعمار ومشاريع التنمية لدولة واحدة تمتلك مخزونا يؤمن سيولة نقدية لربع قرن مقبل على الأقل. وفي يقيني أن كل من راهن على المستقبل الليبي كدولة عصرية بازغة هادفة إلى الإعمار والاستقرار والتنمية، عليه أن يتريث قليلا ويقرأ بتعمق الخارطة السياسية الداخلية لليبيا بعد مرحلة القذافي. نحن نتحدث عن مجتمع لديه أربعة تحديات في تركيبته البنيوية: الأول تركيب قبلي، والثاني تركيب مناطقي، والثالث تركيب عرقي بين العرب والأمازيغ والتبو، والرابع تركيب ديموغرافي، حيث يبلغ من هو في سن من 18 إلى 30 عاما أكثر من ثلثي السكان. يضاف لذلك كله المعضلة الأكبر، وهي تركيبة حملة السلاح من قوات مسلحة نظامية وما يعرف باسم الثوار أو الميليشيات المسلحة التي حاربت ببسالة لإسقاط النظام الاستبدادي. في يد الشعب الليبي أكثر من 600 ألف قطعة سلاح آلي ومئات راجمات الصواريخ ومضادات الطائرات ومدافع ال«آر بي جي». من هنا يأتي السؤال الضاغط على المجلس الانتقالي وهو كيفية دمج وضبط سلوك الثوار المقاتلين داخل مؤسسات الدولة السلمية التي يحتكر فيها الجيش والشرطة وحدهما حق حمل السلاح واستخدامه وفق القانون والنظام. بالطبع هناك جراح الحروب الأهلية الأخيرة بين قبائل ومناطق وأعراق ومصالح وأفكار. كل ذلك يتم على قاعدة نظام جديد يرفع شعارات إسلامية. وتلك مسألة تحتاج إلى نقاش مفصل غدا بإذن الله.