يعتبر التقطيع الانتخابي أحد أهم الآليات في مسار التأطير القانوني والتقني للاستحقاقات الانتخابية التي يتوخى منها ضمان تمثيلية سياسية متساوية ومتوازنة للمواطنين وللمجالات الجغرافية في المؤسسة التشريعية. ونظرا لأهمية التقطيع في العملية الانتخابية ومكانته المحورية ضمن اهتمامات الهيئات الحزبية والسياسية، خول الدستور الجديد للبرلمان حق التشريع في ميدان "النظام الانتخابي للجماعات الترابية ومبادئ تقطيع الدوائر الانتخابية"، حيث أصبح البرلمان بموجب الفصل 71 من الدستور يختص بوضع المبادئ التي تحكم كيفية تقطيع الدوائر الانتخابية بواسطة القانون، عكس ما جرت به الممارسة في السابق إذ كانت السلطة التنفيذية تنفرد بهذه الصلاحية . ومن هذا المنطلق، جاءت المادة الثانية من القانون التنظيمي رقم 11-27 المتعلق بمجلس النواب لتحدد المبادئ المؤطرة لإحداث الدوائر الانتخابية المحلية وعدد المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية، حيث نصت بشكل واضح على ضرورة مراعاة تحقيق توازن ديمغرافي في ما بين الدوائر الانتخابية قدر الإمكان، مع الأخذ بعين الاعتبار الجانب المجالي وتجانس واتصال نفوذها الترابي. كما نصت المادة ذاتها على إحداث دوائر انتخابية واحدة في كل عمالة أو إقليم أو عمالة مقاطعات مع إمكانية إحداث أكثر من دائرة انتخابية واحدة في بعض العمالات والأقاليم . وأكد الجامعي طارق اتلاتي، رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث الإستراتجية، أن التقطيع الانتخابي يشكل أهمية محورية في تحديد السياسة الانتخابية في ظل النظام الدستوري الحالي المؤمل فيه مأسسة الديمقراطية، إذ هو أداة لمنح مختلف المرشحين حظوظا متساوية للفوز بمقاعد البرلمان. وقال " نحن اليوم أمام تحول جذري قوامه تقطيع انتخابي يتم بناء على قانون، الأكيد أنه أخذ بعين الاعتبار المعايير التمثيلية التي تراعي جملة من المعطيات على غرار الكثافة السكانية والمجال الحضري والقروي والتناسب بين عدد المقاعد وعدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، لتفادي إشكالات المراحل السابقة حيث كانت مثلا مناطق ب 700 ألف ناخب لها أربعة مقاعد، بينما نجد أقل من 400 ألف ناخب في دائرة أخرى لها العدد نفسه من المقاعد". وقد تضمن المرسوم رقم 603 .11 .2 الصادر في 19 أكتوبر 2011 ، إحداث دائرة انتخابية واحدة في 73 عمالة وإقليما وعمالة مقاطعات، بينما عمل على تقسيم ثماني عمالات وأقاليم إلى دائرتين، وقسم عمالة واحدة إلى ثلاث دوائر انتخابية. وتتوزع العمالات والأقاليم وعمالات المقاطعات المحدثة بها دائرة انتخابية واحدة ما بين 21 عمالة وإقليما بمقعدين اثنين (42 مقعدا)، و25 عمالة وإقليما وعمالات مقاطعات بثلاث مقاعد (75 مقعدا)، و16 عمالة وإقليما وعمالتي مقاطعات بأربعة مقاعد (64 مقعدا)، وعمالة واحدة وأربعة أقاليم بخمسة مقاعد (25 مقعدا)، وعمالة واحدة وخمسة أقاليم بستة مقاعد (36 مقعدا)، حسب المرسوم. أما العمالات والأقاليم المحدثة بها دائرتان انتخابيتان فتشمل ثماني عمالات وأقاليم تتوفر على دائرتين انتخابيتين، تتوزع ما بين 3 أقاليم لكل واحد منها 6 مقاعد (18 مقعدا)، وعمالتين وإقليمين لكل واحد منهما 7 مقاعد (28 مقعدا)، إلى جانب عمالة واحدة خصصت لها 8 مقاعد. وقسمت عمالة واحدة، بموجب هذا المرسوم، إلى ثلاث دوائر انتخابية ب 9 مقاعد في المجموع. وقد حدد القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب مجموع المقاعد المخصصة للدوائر الانتخابية المحلية في 305 ، في حين تم تخصيص 90 مقعدا في إطار دائرة انتخابية وطنية للنساء (60 مقعدا) والشباب الذكور الأقل من 40 سنة (30 مقعدا) أي ما مجموعه 395 مقعدا. وتتباين آراء نواب المعارضة والأغلبية من مسألة التقطيع الانتخابي للاستحقاقات التشريعية المقبلة، ففي الوقت الذي تعتبر فيه الأغلبية أن التقطيع الانتخابي الحالي "إيجابي في مجمله" ترى المعارضة أنه "لا يرقى الى التطلعات" لا سيما فيما يتعلق بعدم اعتماد دوائر واسعة بمقاعد أكبر. وفي هذا السياق، أوضح اتلاتي أن مسألة تنزيل بنود الدستور الجديد بكامل مقوماته تجعل القانون الانتخابي المغربي خلال هذه الفترة مسألة محددة للمرحلة . وفي هذا الشأن، اعتبر محمد مبديع ، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب ،أن التقطيع الانتخابي الحالي " إيجابي في مجمله" ويتماشى مع المرحلة الانتقالية والعهد الدستوري الجديد الذي أعطى للمغاربة أملا جديدا في المستقبل. وأكد أن البرلمان يجب أن يتألف من مكونات تمثل كل فئات المجتمع، وأن التقطيع الانتخابي يساهم بشكل أو بآخر في ضمان هذه التمثيلية، وأبرز أن التقطيع الحالي جاء كحل وسط وحاول أن يعالج إشكالية تمثيلية المجالات والهيآت السياسية وفي نفس الوقت محاربة ممارسات الفساد الانتخابي. وبالمقابل، عبر عبد الله باها ، عضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، عن عدم رضاه عن هذا التقطيع الانتخابي ، وقال بهذا الخصوص "كنا نأمل أن يتضمن التقطيع الانتخابي دوائر أكبر، على اعتبار أن التصويت في إطار اللائحة والتمثيل النسبي لا يكون له معنى الا إذا كانت هناك دوائر كبرى". وأضاف أن " الاكراهات الموجودة والحسابات التي تعيق الاتجاه الى الاقتراع باللائحة بدوائر كبرى وبعتبة عالية وبأكبر بقية، تجعلنا أمام نمط اقتراع هجين ليس بالقائمة ولا هو بالفردي ولا يعطى النتائج المرجوة". وخلص الى أن "التصويت باللائحة في إطار دوائر صغيرة من مقعدين أو ثلاثة مقاعد ليس له معنى وهو أقرب الى الفردي منه الى القائمة". وعلى خلاف هذا الرأي، عبر رئيس الفريق الحركي عن ميله الى الاتجاه الذي يرى أن توسيع الدوائر الانتخابية يبعد البرلماني عن دائرته ويضعف سياسة القرب والحضور والتواصل والانصات لدى المنتخبين تجاه المواطنين، مستندا في ذلك الى وجهة النظر التي تقول إن "المواطن لا يزال يصوت على الشخص وليس على الحزب" . وفيما يخص المقاعد المخصصة للنساء والشباب، اعتبر باها أن سبب وجود لائحة للنساء ولائحة الشباب هو "نظام الاقتراع الهجين"، مضيفا " لو اعتمدنا المناصفة في الترشيح كما هو منصوص عليه في الدستور فإن النساء والشباب سيأخذون مكانتهم في الدوائر المحلية ". وفي السياق نفسه، عبر رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث الإستراتجية عن اعتقاده بأنه تم تحقيق تقطيع انتخابي فعال يستحضر ضمان مساواة سياسية للأحزاب والمرشحين من خلال تحقيق شرطين أساسيين أولهما استحضار مبدأ مساواة كافة المرشحين في الانتخابات ، وثانيهما تحقيق مساواة بين مختلف التنظيمات الحزبية المشاركة في العملية الانتخابية في نطاق القدرة على الحضور القوي وممارسة الدور الدستوري المحدد في التأطير على المستوى الوطني لا الجهوي أو المحلي. وأضاف أنه تم العمل على تحقيق توازن ديمغرافي بين عدد السكان وعدد المقاعد المخصصة لتمثيلهم، بحيث حددت الدوائر الانتخابية بناء على معطيات ديمغرافية تراعي التوازن الديمغرافي بين الدوائر، حتى لا يكون الفرق صارخا، و يمس مبدأ التمثيلية. وبحسب المعطيات الصادرة عن وزارة الداخلية، فقد بلغ عدد اللوائح المقدمة برسم الدوائر الانتخابية المحلية ما مجموعه 1546 لائحة تشتمل على 5392 مترشحا ومترشحة، أي بمعدل وطني يقارب 17 لائحة ترشيح في كل دائرة محلية. وبخصوص الترشيحات المقدمة برسم الدائرة الانتخابية الوطنية، فقد بلغ عدد اللوائح المسجلة ما مجموعه 19 لائحة تتضمن 1710 ترشيحا منها 1140 مترشحة و570 مترشحا شابا. وفي ما يتعلق بالمترشحين اللامنتمين، تم تسجيل لائحتين محليتين.