تمثل آلاف الأطنان من الذخائر والأسلحة المهملة على تخوم مدينة سرت عبئا كبيرا على كاهل الحكومة الوطنية الانتقالية الليبية، وبخاصة بعد ما تردد حول توعد فلول العناصر الموالية للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي بتنظيم صفوفها ومواصلة القتال والثأر مما سموه ب«الأعمال الانتقامية التي يمارسها ضدهم الثوار والقوات الموالية للحكومة الليبية الجديدة».. ليمثل الأمران حجري عثرة أمام استقرار الأوضاع في ليبيا على وجه العموم. وبينما يقول رجال قبائل إن رجالهم يحاولون إعادة تنظيم صفوفهم ليشكلوا حركة تمرد جديدة داخل وحول بلدة بني وليد الاستراتيجية الصحراوية جنوب العاصمة طرابلس، وإنهم غاضبون مما يمارس ضدهم من أعمال انتقامية. ومن جهة أخرى، تنتشر في منطقة سرت آلاف الأطنان من الذخائر والأسلحة المهملة بين أنقاض المدينة المهدمة، أو مخازن في فضاء الصحراء دون أي حراسة أو مراقبة. ورغم وجود مخاوف دولية وحقوقية تتعلق بانفجار تلك الذخائر أو القذائف في السكان المحليين، فإن الخطر الأكبر يبقى دائما في أن تقع تلك المخازن والأسلحة في أيد قد تستغلها أسوأ استغلال. وتهدد تلك الكميات من الأسلحة، ليس استقرار منطقة سرت؛ ولا دولة ليبيا الجديدة وحدها، ولكنها تهدد الأمن العام في منطقة الشمال الأفريقي بأسرها.. وذلك أن كثيرا من تلك المخازن لا تخلو من أسلحة مضادة للمدرعات أو الطائرات أو الصواريخ الفائقة، إلى جانب ما لم يتم الإعلان عنه أو اكتشافه حتى هذه اللحظة من أسلحة أخرى قد تكون أكثر خطورة. وقال بيتر بوكرت، مدير عمليات الطوارئ في منظمة «هيومان رايتس ووتش»: «منذ أشهر نحذر المجلس الوطني الانتقالي والحلف الأطلسي من هذه المخاطر». كما أعرب مسؤولون في الأممالمتحدة مؤخرا عن مخاوفهم من أن تكون بعض هذه الأسلحة وصلت إلى أيدي متمردي دارفور، المنطقة المحاذية لليبيا، أو عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي. وعثر مفتشون من «هيومان رايتس ووتش» في منشأة بضواحي سرت منذ أيام على ما لا يقل عن 14 صندوقا فارغا كانت تحتوي في السابق على ما مجموعه 28 صاروخا من طراز «إس إيه - 24»، وهي صواريخ أرض - جو روسية فائقة التطور قادرة على إسقاط طائرة مدنية في الجو، فضلا عن صواريخ أرض - جو «إس إيه - 7» غير مستخدمة. وقال بوكيرت، إنه في حين كانت «هيومان رايتس ووتش» تتفقد الموقع وصل مدنيون ومقاتلون معارضون للقذافي (...) لنقل المزيد من الأسلحة، موضحا أن الأسلحة الآلية الخفيفة نقلت في وقت سابق على ما يبدو. وعلى مسافة في الصحراء، يقبع مخزن أسلحة أكبر بكثير وسط الرمال على مسافة 120 كلم جنوب سرت، يقدر خبير «هيومان رايتس ووتش» محتواه ب«عشرات آلاف الأطنان من الذخائر» دون حراسة تذكر.. وتضم نحو 80 موقعا إسمنتيا محصنا، تحتوي على ذخائر روسية وفرنسية بشكل أساسي. وبين الأسلحة التي تحويها قذائف مدفعية من جميع العيارات، وذخائر للمدفعيات المضادة للطائرات وصواريخ حرارية أو ذات رؤوس متفجرة وصواريخ مضادة للدبابات وقذائف غراد انشطارية وقنابل جوية ثقيلة من عيار 250 و500 و900 كلغ، وأنابيب ضخمة تحتوي على الأرجح على عناصر نظام من صواريخ «إس300» الروسية الانشطارية البالغ مداها 120 كلم، وقطع تبديل لصواريخ ثقيلة وغيرها. ورغم محاولات السلطة الليبية الجديدة احتواء الغاضبين، عبر وعود بتقديم الضالعين في مقتل القذافي أو جرائم انتقامية إلى المحاكمة، وكذلك محاولة تأمين أكبر قدر ممكن من السلاح المهمل، إضافة إلى النداء الذي وجهه رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل إلى حلف الناتو بتمديد عملياته حتى نهاية العام على أقل تقدير.. فإن الأوضاع في ليبيا تظل على حافة الالتهاب والاشتعال في أي وقت.