نواكشوط -" صحراء ميديا "- الربيع ولد ادوم من اقفاص بسيطة داخل منزل في حي الكوفة البسيط في العاصمة نواكشوط تطلق الطفلةاسماء، 12 عاما سراح حمامة زاجلة مع بداية يوم جديد قبل ذهابها الى المدرسة. اسماء تربي مع اشقائها الثلاثة "محمد وعلي وعيسى" قرابة 30 حمامة زاجلة مرجحة للتكاثر باستمرار في اقفاص خشبية بسيطة تم اعدادها من طرف صانع اقفاص محلي. لم تتعرض هذه الطيور التي عاشت في كنف اسرة فقيرة – يقل دخلها اليومي عن 5 دولارات- لأي رعاية صحية متخصصة، ولم يتم تدريبها على السباق ولا على حمل الرسائل، بل تعيش مئات الطيور كصديقة لهذه العائلة منذ اكثر من 18 عاما حين كان النجل الاكبر للأسرة "مولاي" طفلا في السادسة عشر، وهو اليوم ضابط في الجيش الموريتاني. في عصر المعلوماتية والاتصالات لا يحتاج الضابط بطبيعة الحال الى حمامة زاجلة ليبعث ببرقية الى رؤسائه في العمل، رغم انه قرأ في الوثائق التاريخية أنه أثناء الحرب الفرنسية عام 1871، وعندما تم حصار باريس لعدة أشهر، قام الحمام الزاجل بنقل ما يقرب من 150 ألف رسالة، كما يعرف انه تم استخدم الحمام كثيرا في نقل الرسائل الحربية والخاصة في حالات الحصار للقوات المتحاربة، حيث استخدمه العرب أثناء الحملة الصليبية على بيت المقدس. الطفلة اسماء مثل غالبية أطفال الفقراء في نواكشوط تهتم بتربية الحمام الزاجل، وتفرح كثيرا عندما يغرد في الصباح او يرفرف على سطح المنزل الخشبي البسيط للعائلة، ويزور أسماء بشكل يومي أصدقاؤها في المدرسة حيث يداعبون الحمام ويتعرفون على اسم كل حمامة على حده، كما يتعلمون الفروق بين ذكر الحمام الزاجل وانثاه. لا يخطئ الحمام الزاجل الذي تربيه اسماء مواعيده مع الاقفاص، ويعرف جيدا عنوان البيت في طريق العودة كل يوم بعد رحلة تحليق في سماء نواكشوط.. كما يوجد سرب الحمام المختلف الاشكال والالوان في موعد مجيء الطفلة من المدرسة.. ولعل ذلك احد مزايا هذه الطيور الجميلة، فالإحصائيات التي أجريت خلال الحرب العالمية الثانية اثبتت أن استخدام الحمام الزاجل نجح بنسبة 99%. أي ان اخطاء الحمام لم تتجاوز الواحد في المائة في نقل الرسائل. العرب كانوا أول من اكتشف الميزات الخارقة للحمام الزاجل، إذ تذكر كتب التاريخ أنهم استخدموه إبان عهد العباسيين في بغداد والأمويين في الأندلس، واستخدم الحمام الزاجل رسميا في نقل البريد عام 1150م ببغداد.. وفي عام 1878 أنشأ الجيش الأميركي سلاح الاشارة الزاجلي أسوة بنفس السلاح في الجيش الألماني، ووصل عدد الجنود الذين خدموا في هذا السلاح نحو ثلاثة آلاف عسكري وحوالي 50 ضابطا. وينفق اغنياء العالم اموالا طائلة على تحصينات الحمام ولقاحاته بالاضافة الى الادوية والتغذية، وتكاليف سباقات الحمام وسيارات التدريب..الخ. لكن اثرياء موريتانيا في الغالب ليسوا من هواة تربية الحمام، حيث نشأت علاقة تاريخية بين البدو الموريتانيين والطيور بصفة عامة، وخاصة الحمام والعصافير، بوصف هذه الاخيرة كائنات صغيرة الحجم لا تضاهي مثلا الجمال والابقار في الحجم ومستوى المردودية في البادية، وبالتالي فان الحمام لا يلقى عناية كبيرة في الذاكرة الجماعية حسب "الطفيل ولد الناني" بائع حمام زاجل في مقاطعة الميناء بالعاصمة نواكشوط مضيفا: "ابيع الحمام منذ 5 سنوات وزبائني من الاطفال فقط، وغالبا أطفال الفقراء حيث يتراوح سعر الحمامة من 1500 اوقية الى 2000 اوقية واحيانا يكون السعر منخفضا جدا". نفس الكلام يؤكد "مامادو سليمان" صانع اقفاص حمام حيث يؤكد ان تجارة اقفاص الحمام ليست لها مردودية وانه يتلقى احيانا 3 طلبات كل شهر لانجاز اقفاص حمام بسيطة لا يتجاوز سعر الواحد منها 3000 اوقية. ورغم ان الطفيل يمتلك الآن قرابة 60 حمامة من افضل العينات بالاضافة الى عدد من الخراف والسلاحف، الا ان بيع الحمام لا يعتبر نشاطا رئيسيا في حياته، فهو يعمل كمصلح لعجلات السيارات ويؤكد "تجارة الحمام الزاجل في موريتانيا.. تجارة رخيصة لا يمكن لشخص ان يكسب منها عيشا كريما".