أصيلة (شمال المغرب) "مغارب كم": محمد بوخزار أعلن محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، أنه بصدد التفكير في إضفاء طابع مؤسسي أكثر على المنتدى وذلك بإضافة أجهزة جديدة مثل مجلس للأمناء يضم صفوة الشخصيات الفكرية من المشرق والمغرب، سواء التي واكبت مسار المواسم الثقافية وأغنته بإسهاماتها أو غيرها من الكفاءات الفكرية. وأضاف بن عيسى، أن الندوة الحالية نجحت في التمهيد للمؤتمر الكبير للنخب الذي يتمنى انعقاده العام المقبل. وأدلى بن عيسى بهذا التصريح مساء أمس الثلاثاء مختتما ندوة "انحسار دور النخب في حركات التحديث العربية" التي امتدت على مدى يومين وشارك فيها باحثون وفاعلون ثقافيون من المشرق والمغرب، تميزت جلساتها بنقاش حيوي وساخن في بعض اللحظات، بين مدافع عن النخب العربية واضعا عملها في سياقه التاريخي والسياسي العربي، وبين من كال لها النقد لأنها تخلت عن رسالتها في التنوير والتوجيه والنقد بل ارتمت في أحضان السلطة الرسمية، فيما وقفت طائفة ثالثة من المتدخلين موقفا وسطا، متسائلة إن كان من الموضوعي الحديث عن وجود نخب بالمعنى المتعارف عليه في الغرب أي كتيار فكري متجانس قوي قادر على التأثير في المجتمع وفي شكل منظومة الحكم وفي الاختيارات الكبرى للمجتمع. وفي هذا السياق قسم باحثون النخب إلى سياسية واقتصادية وتكنوقراطية بل هناك من أضاف النخبة العسكرية التي مارست أدوارا في المجتمعات العربية الحديثة بعد استقلالها عن الاستعمار،عن طريق الانقلابات التي وجددت لها سندا لدى شرائح من المثقفين الوطنيين والقوميين. ورأى متدخلون أن النخب المعاصرة هي استمرار للدور الذي نهض به مفكرون وفلاسفة عرب، عاشوا قريبين أو بعيدين من السلطة خلال فترات التاريخ العربي التي شهدت في عهدها حراكا اجتماعيا وفكريا ليس كالذي نشهده حاليا في أكثر من بلد عربي ولكنه قد يلتقي معه في بعض السمات، مع ضرورة اعتبار الفارق الزمني والتاريخي. وبصدد هذه النقطة عبر أكثر من متدخل عن الرأي بأن ما يطلق عليه الثورات العربية أو الربيع العربي، ليس منفصلا عن السياق السياسي للبيئات التي نشأت فيها. ووقع الاستشهاد أكثر من مرة بالتجربة التونسية التي تعتبر شرارة الاحتجاج العربي، فهذه مهدت لها أشكال من المعارضة والاحتجاج والرفض للسياسات الاجتماعية التي نهجها الحاكمون لتونس قبل عهد الرئيس السابق بن علي. وتساءل أحد المتدخلين لماذا لم تؤثر ثورات مهمة وقعت بالقرب من الدول العربية التي قال إنها أي الدول تتعشى وتتغذى على وسائل الإعلام، آتيا بأمثلة العبور من الديكتاتورية إلى نظام ديمقراطي مؤسسي ومستقر بوسائل سلمية مثلما ما جرى في إسبانيا والبرتغال وهما البلدان اللذان تخلصا من نظام الاستبداد الذي أسسه فرانكو وسالازار. وابرز متدخلون أهمية الثورة التكنولوجية وما وفره الإنترنيت من سرعة وكثافة في التواصل بين الشباب في أرجاء الوطن العربي، وجدوا في غرف الدردشة مساحة من الحرية فعبروا بقوة عن ما كان تختزنه صدورهم من أفكار وأحلام، صاغوها في دفاتر مطالب سياسية واجتماعية متفاوتة. وانتقد متحدثون مستعملي التكنولوجيا الحديثة، فهم يعبرون عن أفكارهم بصورة مبتسرة ويستعلمون لغة مصطنعة. وبهذا الخصوص، حذر أكثر من متدخل من الانزلاقات التي يمكن أن تقع الثورات العربية في براثينها، على اعتبار أنها ذات إيديولوجية عائمة رومانسية وطوباوية، يمكن كذلك بسبب هذه الطبيعة أن تسقط فريسة سهلة بين أيدي التيارات المحافظة ولا سيما الحركات الدينية المتطرفة مثلما ما وقع في إيران وشبيه بذلك الوضع السياسي في العراق، كما يوجد خطر أن تتحول الاحتجاجات على مطية لعودة الاستبداد السياسي في أسوأ مظاهره، بدعوى الحفاظ على النظام والمؤسسات والغربة في تجنب الصراعات الأهلية. وخلال جلستي الندوة اللتين استغرقتا من الوقت حوالي ثماني ساعات، أثيرت أكثر من مرة تجربة الحكم الحلية في تركيا التي اعتبرها البعض نموذجا لكفاءة النخب وفعاليتها وتفهمها للظرف التاريخي الذي تعيشه تركيا الحديثة التي انتقلت من نظام عسكري بواجهة مدنية يتدخل بقوة من ظرف لآخر، بدعوى حماية العلمانية. وفي هذا الصدد وضع باحث من أصل تونسي يشتغل في مؤسسة الدراسات العربية التركية في أنقرة، وضع الحاضرين أمام حقيقة صورة الوضع السياسي في تركيا، نافيا أن يكون حزب العدالة والتنمية الحاكم، ذا مرجعية دينية كما هو شائع على نطاق واسع في العالم العربي منبها كذلك إلى أن القوى الدينية المحافظة في بعض الدول العربية، تستغل نجاحات وإنجازات العدالة والتنمية في تركيا، لتروج لفكرة أن "الحكم المستند إلى الدين" كفيل بحل مشاكل المجتمع. وأوضح الباحث المهتم بالقضايا التركية إن العدالة والتنمية هو في حقيقته تحالف بين النخب العلمانية والتققنوقراطية والمتنورين من رجال الدين، تبلور ذلك التحالف بنجاح في برنامج للإصلاحات، للانتقال بتركيا من وضع الانسداد السياسي والاقتصادي إلى وضع مزدهر بكل المقاييس.